للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد تأثرت المعتزلة بهذا المسلك الذي سلكه الفلاسفة والتزموا بلوازمه؛ فقاموا بنفى الصفات موافقة لهم في اعتقاد أن إثباتها يوجب التعدد وينفى الوحدانية؛ لأن انتفاء التركيب يعد في حق الواجب من أخص ما يميز به عن الممكن، وأقاموا على ذلك أصلهم المبتدع في إثبات التوحيد. (١)

وانتقلت هذه الشبهة لأكابر الأشاعرة ممن تأثروا بالفلسفة، وأصبح الاستدلال بهذا الدليل أمرًا مستساغًا عندهم (٢)، بل وجد بعضهم في الدليل ما يفى بالمقصود، بعيدًا عن التكلف واصطناع المقدمات، حيث كثرت اعتراضات المخالفين عليها، وقام بدمجه مع دليل الحدوث، كتطوير أو دعم لهذا الدليل، فخالفوا بذلك مسلك الفلاسفة في الاستدلال به، وجعلوه مما يدل على سبق الممكنات بالعدم، مما يقضى بإثبات حدوثها. (٣)

ويشكك البعض في نسبة هذا الاستدلال إلى الفلاسفة؛ للمخالفة الظاهرة في طريقة الاستدلال به، حتى حكم البعض بخلافه، وزعم أن هذا الدليل قد عرف عن الباقلانى الذي توفى قبل ابن سينا بربع قرن، (٤) ولكن لا يزال الاعتراض قائمًا؛ لأن ابن سينا لم يكن هو الذي أحدث الطريقة، بل استفاد منها وعدل عنها إلى طريقة أحدثها، على غرار طريقة المتكلمين في دليل الحدوث. (٥).

ويمكن التوفيق بين الرأيين، فيقال: إن الدليل قد انتقل من الإمكان الذهنى الافتراضى إلى الإمكان الحقيقى على يد المتكلمين، كالباقلانى، والجوينى؛ بمعنى: أنه انتقل من التصور المحض للوجود، والاستدلال به على وجود الواجب والممكن إلى تعيين الممكنات، والاستدلال على وجود واجب أبدعها؛ لما كانت عليه من العدم، وما آلت إليه من الوجود.


(١) انظر: نهاية الإقدام في علم الكلام: ٩٠.
(٢) انظر: المحصل للرازي: ٦٦.
(٣) انظر: المواقف للإيجى: ٢٦٦.
(٤) ابن رشد وفلسفته الدينية، محمود قاسم: ٩٢، ٩٤.
(٥) انظر: الدرء: (٣/ ٣٣٤).

<<  <   >  >>