للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعد عرضه للمسالك الشرعية السلفية وبيان حصول الكفاية والاستغناء بها عما سواها، ومن ثم للمسالك الخلفية التي خلط سالكوها الحق بالباطل وبيان ما اشتملت عليه منهما، حيث قال - رحمه الله تعالى -: "مهما يكن في المأخذين الخلفيين من الوهن فإننا لا نمنع أن يستند إليهما فيما ليس من الدين ولا يدفعه الدين، بل لا ندفع أن يكون فيهما ما يوصل في كثير من ذلك إلى اليقين، فإن الشرع لم يتكفل ببيان ما ليس من الدين. وكذلك لا نرى كبير حرج في الاستئناس بما يوافق المأخذين السلفيين بعد الاعتراف بأنهما كافيان شافيان، إذ لا يلزم من كفايتهما ألّا يبقى في غيرهما ما يمكن أن يستدل به على الحق، وإنما الممنوع الباطل هو زعم أنهما غير وافيين ببيان الحق في الدين". (١)

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن التفاضل في المعرفة من جهة الطريق الموصل إليها أمر يحتاج إلى دليل؛ إذ العبرة في حقيقة هذه المعرفة وما يترتب عليها من نقاء ويقين، يخلص صاحبها من درن الشرك والكفر والذي تعلقت النجاة بصفاء الإيمان من درنه.

قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: ٨٢].

وفى آية أخرى ينفى الله تعالى تحقق الإيمان لكثير من الناس إلا مع تلبسهم بالشرك، يقول سبحانه: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: ١٠٦].

وكيف أن إبليس لعنه الله، قد عرف الله عز وجل، عظيمًا، قادرًا عزيزًا، حتى أقسم بعزته، ولم تنفعه تلك المعرفة ولا ذلك الإقرار؛ لأن العبرة بالانقياد والتسليم، الذي يتبع تلك المعرفة، قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥]


(١) التنكيل: (٢/ ٢٦٠).

<<  <   >  >>