للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كبير من مشايخ الأشاعرة في عصره، على رأسهم شيخه: الدردير والجمل. لذا نجد أنه غالبًا ما يقرر مذهب أشياخه في المسائل التي يعرضها، ولعلو مكانته ورسوخ قدمه في المذهب الأشعرى لا يقتصر على ذلك، بل يرجح القول الذي يراه صوابًا وكثيرًا ما يدعم ذلك الترجيح بادلة واضحة الدلالة، بأسلوب معبر، وعبارة سلسة، وقد يظهر عليه خلال عرضه لمسائل العقيدة تأثره بنزعته الصوفية، فيذكر أقوال أهل التصوف إما على سبيل التقرير، أو عرض الرأى الآخر.

وتتلخص آراؤه في معرفة الله تعالى - بناء على ما تقدم - أن معرفة الله تعالى هي أول واجب على المكلف. وبما أنها كذلك فلا بد أن يكون الدليل الموصل إليها واجبًا بوجوبها، حيث يمثل النظر عنده وسيلة للمعرفة المقصودة أو المعتمدة، وبهذا الاعتبار كان حكمه واجبًا.

يقول: "ولما كان أول الواجبات المعرفة على الأصح، وكان النظر وسيلة لها كان واجبًا". (١)

ومع ذلك فإنه يرى أن أساس ذلك الوجوب هو الشرع. حيث إن الله تعالى لم يدع المكلفين موكولين إلى عقولهم في معرفته سبحانه، بل أرسل الرسل، وبين أن الحجة لا تقام، والعذاب لا ينزل بمن يستحقه، إلا بعد إرسالهم، يقول: فإن قلت: كيف يكون للناس حجة قبل الرسل، مع قيام الأدلة التي تدل على معرفة الله ووحدانيته، كما قيل:

وفى كل شيء له آية ... تدل على أنه الواحد.

أجيب بأن الله لم يكلفنا بذلك بمجرد العقل، بل لا بد من ضميمة الرسل التي تنبه على الأدلة، وشاهده هذه الآية: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥] وقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥]. فلذلك قال أهل السنة: إن معرفة الله لا تثبت إلا بالشرع. خلافًا للمعتزلة". (٢)


(١) حاشية جوهرة التوحيد: ١٥.
(٢) حاشية تفسير الجلالين: (٢/ ٢٤٤).

<<  <   >  >>