للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بيان وجوب النظر أن معرفة الله تعالى واجبة ولا يمكن تحصيلها إلا بالنظر وما يتوقف الواجب المطلق عليه وكان مقدورًا للمكلف فهو واجب". (١)

ومنهم من ذهب إلى أن أول واجب هو معرفة الله تعالى. (٢)

وشيخ الإسلام يرى أن الخلاف الذي وقع بين الأشاعرة في أول واجب خلاف لفظى؛ لأن من قال بأن أول واجب هو النظر أوجبه وجوب الوسائل، ومن قال بان أول واجب معرفة الله تعالى فقد أوجبه وجوب المقاصد، يقول - رحمه الله -: "فإن النظر واجب وجوب الوسيلة من باب ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب. والمعرفة واجبة وجوب المقاصد، فأول واجب وجوب الوسائل هو النظر، وأول واجب وجوب المقاصد هو المعرفة، ومن هؤلاء من يقول: أول واجب هو القصد إلى النظر، وهو أيضًا نزاع لفظى، فإن العمل الاختيارى مطلقًا مشروط بالإدارة". (٣)

مع ما تقدم فقد يشعر قول من يقول بان أول واجب هو النظر، حصر إمكان الوصول إلى المعرفة إلا بطريقه، بمعنى أنه استحق هذه المكانة لكونه الوسيلة الوحيدة التي توصل إلى المعرفة، وأما من يقول: إن المعرفة هي أول واجب، فإنه قد لا يسلم بعدم إمكان تحققها الا به، حتى ولو قال بوجوبه وجوب الوسيلة المفضية إلى المقصد (٤).

ولا شك أن مناقضة المتكلمين لمسلك التلقى بالضرورة والفطرة بادعائهم وجوب النظر وقصر المعرفة بطريقه؛ كان سببًا لوقوعهم في التناقض والاضطراب، حيث أقر بعضهم بأن جميع المعارف لا يصح الاحتجاج بها ما لم تستند إلى دعائم ضرورية تكون بمثابة الأصول والقواعد. (٥)


(١) المحصل: ٤٤ وانظر: مجرد مقالات الاشعرى: ٢٤٨.
(٢) انظر: حكاية هذه الآراء في المحصل: ٤٧.
(٣) درء التعارض: (٧/ ٣٥٣). وانظر: شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار: ٩٥.
(٤) ولعل هذه الملاحظة التي تبادرت إلى ذهنى كانت حصيلة اطلاعى على آراء الصاوى المتعلقة بالقضية وسيأتي بيان ذلك.
(٥) انظر: ما ذكره شيخ الاسلام عن الرازي في درء التعارض: (٧/ ٤٢١).

<<  <   >  >>