وهذه الحقيقة باقية ببقاء الدين وحفظه، ومع الحاجة للأسوة في تلقى علوم الشريعة والتأدب بآدابها بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن القيام بهذه المهمة هو من دأب ورثته، وهم العلماء العاملون، ربانيوا هذه الأمة، وكلما تحقق صدق الاتباع منهم للنبي في أقواله وأفعاله؛ كلما تأكد قيامهم بهذه المهمة، ومن ثم وجبت لهم حقوق التأدب من آحاد المسلمين.
وتوضيحه أن مشيئة المولى تبارك وتعالى قد قضت أن بقاء هذا الدين منوط بحفظ أتباعه له، حيث كان الحفظ في الصدور هو المصدر المعول عليه في تلقى علوم الشريعة بدأً بالقرآن الكريم، وانتهاءً بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومع كتابة الصحابة للقرآن في وقت متقدم، إلا أن الحاجة لتلقيه بطريق المشافهة ما زالت قائمة إلى يومنا هذا.
ومن جهة أخرى، فإن من أهم مقومات التربية السليمة توفر المربى المحافظ الملتزم أمر نبيه؛ مما يؤدى إلى تحقيق مبادئ الإسلام وقيمه، وذلك بغرسها في نفوس المؤمنين، وقد فطن أوائل المسلمين إلى أهمية هذا الأصل فاجتهدوا في تحرى المشايخ للتلقى عنهم، ومن ثم القيام بحقوقهم من التأدب والاحترام، وحكاية ذلك من أخبارهم مما يطول المقام باستقصائها.
ومن ذلك ما حكى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - من اجتهاد في تحصيل العلم واحترام أهله، فقد:"أمسك ابن عباس - رضي الله عنهما - بركاب زيد بن ثابت - رضي الله عنه -، فقال: تمسك ركابى وأنت ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ، قال: إنا هكذا نصنع بالعلماء"(١)
ولم يكن يحملهم تيقنهم بأهمية الشيخ، وارتباط تلقى العلم بشخصه؛ على