للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوقوع في الغلو المنهي عنه، بل كانوا على يقين بأن العصمة لا تكون لأحد بعد الأنبياء والرسل، فالعلاقة إذًا وثيقة بين محبة الشيخ وتعظيمه، وبين الاعتراف ببشريته ومحدودية قدراته، ولهذا فلم يؤثر عنهم هذه المزاعم التي يدعيها الصوفية.

فعند مطالعة أقوال الصوفية في آداب تلقى العلم؛ نجد البون شاسعًا بين ما كان عليه السلف الصالح، وما وصل إليه غلاتهم، ومرجع هذا الانحراف هو المنهج الخاطئ في التلقي، حيث اعتقدوا في مشايخهم الكمال فأخذوا عنهم دون رد إلى النصوص، فأدى بهم ذلك إلى الوقوع في الاضطراب، ويحتج البعض لمشروعية التأسي بهم بما كان عليه الصحابة الكرام مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تمام المتابعة، فلا يرون فرقًا بين مقام النبي ومقام الشيخ. (١)

ولعلي أذكر طرفًا من أقوالهم، حتى يتبين مجمل أصول اعتقادهم في هذا الباب:

١ - حصر التلقي: يرى الصوفية أن الطالب إذا عقد عهدًا مع شيخ رأى فيه ما يطلبه من العلوم والآداب؛ أن ذلك العهد يقضي بوجوب التزامه، ومن أهم ما يستلزمه الاكتفاء به في التلقي، فيمتنع عليه أن يجالس غير شيخه (٢)، يقول ابن عربي: "اعلم أنه لا يجوز لمريد أن يتخذ له شيخًا إلا واحدًا، فكما أنه لم يكن وجود العالم بين إلهين، ولا المكلف بين رسولين، . . .، فكذلك المريد لا يكون بين شيخين" (٣)

٢ - الطاعة التامة: من أهم آداب التصوف المتعلقة بالطالب، وأبرزها مكانة: طاعة الشيخ، والتزام أمره التزامًا تامًا، بحيث يقبح من الطالب الاعتراض ولو بسؤال الكيف، يحكى المناوي في طبقاته عن أحد كبارهم؛ أنه عرف التصوف بهذا الأدب، فقال: "التصوف الإعراض عن الاعتراض، فمن قال لشيخه: لمَ؟ لم يفلح أبدًا" (٤)


(١) انظر: مقدمة تحقيق كتاب الآداب المرضية لسالك الصوفية، للشيخ البوزيدى: ١٧.
(٢) انظر: الأنوار القدسية في القواعد الصوفية: ٩٣.
(٣) المرجع السابق.
(٤) الكواكب الدرية: (١/ ٥٨٩).

<<  <   >  >>