للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابتدعه أفلاطون ليصل إلى النفس إنما تتحصل على الكمال إذا شابهت مثالها في العالم العلوى، فيقول: "فالنفوس إذا صفت ورقت تبهت بالملأ الأعلى وانتقشت فيها أمثلة الكائنات، واطلعت على المغيبات، وأثرت في السفليات، كما أن الحديدة المحماة إذا تشبثت بالنار وتكيفت بها صارت تؤثر في الأجسام أثرها، لأجل التشبه بها، فمن أجل ذلك كان تأثير النفوس في هذا العالم على قدر تشبهها بالعالم الأعلى". (١)

ويخضع هذا الاتجاه الفكرى إلى قضية الرمز والتأمل، فالأسماء الحسنى التي تدل على ما يتصف به الرب عز وجل إذا ذكرها العبد مستغرقًا تجلت له معارف وعلوم تناسب حاله في الاستغراق، حيث يفتح له بابًا من الفيض والإشراق يتمكن به من الوقوف على حقائقها المجردة، وحالهم في هذا الزعم مشابه تمامًا لحال أسلافهم من الفلاسفة الأفلاطونية "فكما أن رجال الأفلاطونية لم يروا في الألفاظ إلا ظلالًا شاحبة للحقيقة المجردة، وقالوا: إن المعرفة الحقة اليقينية لا تدرك إلا بالتأمل الباطنى العميق والمجاهدة النفسية في درجات الكشف العليا حين تتضح خلالها للمتأمل الحقائق على ما هي عليه، كذلك اعتمد فلاسفة الصوفية هذه الدعوى، وزعموا أن الوقوف على ظاهر نصوص الشرع حجاب يمنع من الوصول إلى حقائق الأمور" (٢)

وفي تقرير مبدأ الوصول إلى أعلى الأحوال بالذكر المعروف الذي يكون بترديد اسم من الأسماء الحسنى: كقولهم: الله الله، أو حى حى يقول الحكيم الترمذي (٣) في رسالته المسماة بختم الأنبياء: مكر النفس بما يعبر عن مسلك معتدل في


(١) مشارق أنوار القلوب: ١٠٠.
(٢) نشأة الفلسفة الصوفية: ٦٧.
(٣) هو أبو عبد الله محمد بن على الحكيم الترمذى عرف بالصلاح وهذا ما شهد به شيخ الإسلام - رحمه الله -، وكان أول من قال بختم الولاية حيث ادعى أنه في آخر الزمان سيكون ولى هو أفضل من الصحابة الكرام وقد أثار بذلك حنق العلماء عليه فطرد من بلده، واتبعه أهل الابتداع على هذه المقولة الضالة، وقد ضمنها كتابه المسمى بختم الأنبياء، توفى سنة: ٢٥٥ هـ انظر: مجموع الفتاوى: (١٣/ ٢٦٧)، (١٧/ ٢١٨)، وانظر: كشف الظنون: (١/ ٧٠٠).

<<  <   >  >>