للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفيما يلي نص من كلام أحد المتأخرين في عرض صورة الفناء: "إن فناء الصوفي ليس فناء جسد في جسد، ولا فناء روح في روح، إنه فناء إرادة في إرادة، وفناء أخلاق في أخلاق، أو كما يقول الصوفية فانيًا عن أوصافه؛ باقيًا بأوصاف الحق، . . .، وهذا الفناء هو الذي عبر عنه الحديث النبوي: (تخلقوا بأخلاق الله)، والحديث القدسي (فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه). (١)

وقد كان الحديث الأول بلفظ تخلقوا بأخلاق الله مما لا أصل له، وقد بنى عليه الصوفية الكثير من أوهامهم، وهذا الغزالي يعقد فصلًا يبين فيه أهمية التخلق بالأخلاق الإلهية بأنه لا سعادة للعبد ما لم يكن له نصيب من ذلك (٢).

أما الحديث الثاني فهو المعول عليه عندهم في مقام الفناء والبقاء، يقول الكاشاني في تعريف المحو: "هو إزالة العلل والآفات، ويقابله إثبات المواصلات، وذلك برفع أوصاف العبد، ورسوم أخلاقه وأفعاله بتجليات صفات الحق وأفعاله، كما قال: (كنت سمعه الذي يسمع به) " (٣)

يوضح هذا المعنى العطار (٤)، فيقول: "إن معنى كنت سمعه. . إلخ أن ذلك الكون الشهودي - الفناء عن الشهود - مرتب على ذلك الشرط الذي هو حصول المحبة، فمن حيث الترتيب الشهودي جاء الحدوث المشار إليه بقوله: كنت سمعه، لا من حيث التقرير الوجودي". (٥) ولكن الكثير من الصوفية من يستدل به على الكون الوجودي كحال ابن عربي وغيره.


(١) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الرقاق - باب التواضع، رقم الحديث: ٦٥٠٢: انظر: التعرف لمذهب التصوف: ٥.
(٢) انظر: المقصد الأسنى: ٤٥.
(٣) اصطلاحات الصوفية للكاشاني: ٩٥.
(٤) هو حسن بن محمد بن محمود العطار من علماء مصر، أصله من المغرب، ولد سنة: ١١٩٠ هـ تولى إنشاء جريدة الوقائع المصرية في بدء صدورها، ثم مشيخة الأزهر، له ديوان شعر وعدد من الحواشي في العربية والمنطق والأصول، توفى سنة: ١٢٥٠ هـ. انظر: الأعلام: (٢/ ٢٢٠).
(٥) حاشية العطار على جمع الجوامع: (٢/ ٥١٣).

<<  <   >  >>