للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعالى تنزيهًا له - عندهم - لاعتقادهم أن من يفعل لغرض فقد استكمل به، "والمستكمل بغيره ناقص لذاته". (١)

ولما انتفى مفهوم الحكمة عند الأشاعرة لهذه الحجة ظهر امتداد له في قضية الظلم المنفى عن الله فإنهم لما غلو في نفى تعليل أفعال الله تعالى؛ جعلوا الظلم أمرًا لا يمكن تصوره بالعقل لانتفائه في الإمكان الذهنى، يقول الآمدي: وأما "قولهم: يلزم منه الظلم، فإنما يتصور أن لو كان قابلًا لاتصافه بالظلم وليس كذلك، فإن الظلم إنما يتصور في حق من تصرفه في ملك غيره من غير حق، أو بمخالفة من المتصرف فيما هو داخل تحت أمره وحكمه، وذلك كله مما لا يمكن في حق الله تعالى". (٢)

أما المعتزلة فقد ذهبت إلى النقيض من ذلك حيث غلت في تعليل أفعال الله تعالى بالغايات والعلل الحميدة، فلا يصدر عنه إلا ما تقتضيه تلك الحكمة من فعل وخلق وأمر، ولكن الخلاف معهم يدور حول مفهوم تلك الحكمة، فقد قاسوا أفعاله تعالى على أفعال العباد وبالتالى نفوا أن يكون مريدًا وخالقًا لأى فعل ظاهره الشر، وكان أن التزموا لتقرير هذا الأصل تعريف بأنه "كل ضرر لا نفع فيه، ولا دفع ضرر، ولا استحقاق". (٣)

فكان هذا أصل في اعتقادهم تنزيه الله تعالى عن الظلم؛ ومنع نسبة أفعال العباد له على جهة الخلق والإيجاد (٤)، والغلو في تعليل أفعال الله تعالى إثباتًا للحكمة بالمقياس البشرى:

ومع كل ما تقدم، فلا يرجعون حكمها إلى الله تعالى؛ إذ يمتنعون عن وصفه بها، كما يوصف بصفة القدم مثلًا. (٥)


(١) المحصل للرازي: ٢٠٥. وانظر: المواقف، للإيجى: ٣٣٢.
(٢) أبكار الأفكار في أصول الدين: (٢/ ١٦٦).
(٣) شرح الأصول الخمسة: ٣٤٥، وما يليها.
(٤) شرح الأصول الخمسة: ٣٠٢. المحيط بالتكليف: ٢٦٠. تحقيق د/ الأهوانى المغنى في أبواب العدل والتوحيد: (٦/ ٤٨)، تحقيق د/ الأهوانى.
(٥) انظر: فتاوى شيخ الإسلام: (٨/ ٢١١).

<<  <   >  >>