للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأنه وضع الشيء في غير محله؛ فكان تفسير الظلم بهذا مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بإثبات الحكمة له، وأنه سبحانه عدل مريد لكل ما هو محمود، وأسماؤه الحسنى تعالى كلها دالة على هذه الحقيقة، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل: ٦٠].

وكثيرًا ما تأتى التكاليف الشرعية متوجة ببيان الحكمة منها، فيصبح الدافع للعمل من الإيمان مصحوبًا بمعرفة مكمن الخير والنفع المراد منه، ومع هذا فقد تخفى، بل ويكون في خفائها منفعة أخرى أعظم يراها سبحانه، فيكون الدافع للامتثال حينئذ هو الإيمان والتسليم، كما قال في محكم التنزيل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦]. فكل ما هو من عند الله تعالى لحكمة يعلمها، وانتفاء العلم بها لا يعني انعدامها، كما يقال: عدم العلم ليس علما بالعدم، وعلى هذا درج اعتقاد السلف من الأئمة والفقهاء في هذه المسألة التي تعد "من أجل مسائل التوحيد المتعلقة بالخلق والأمر، بالشرع والقدر" (١)

ولما كانت المسألة بهذه الأهمية البالغة من حيث ما تعلقت به من عظيم مسائل الشرع والقدر، اختلفت مذاهب الناس فيها اختلافًا كبيرًا، وانبنى على ذلك أساس التباين في موقفهم من القدر، خصوصًا ما تعلق منه بأفعال العباد.

فقد ذهبت الأشاعرة إلى القول بعدم جواز تعليل أفعال الله تعالى بشيء من الأغراض والعلل الغائية، وكان هذا قول "كثير ممن يثبت القدر، وينتسب إلى السنة من أهل الكلام والفقه وغيرهم، وقد قال بهذا طوائف من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، وهو قول الأشعري وأصحابه، وقول كثير من نفاة القياس الظاهرية". (٢)

وحجتهم في ذلك أن الغاية والحكمة تعنى الغرض، والغرض لا يجوز على الله


(١) مفتاح دار السعادة، لابن القيم: (٢/ ٤٢). وانظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام: (٨/ ٨١).
(٢) الفتاوى: (٨/ ٨٣).

<<  <   >  >>