الفروض والواجبات، وشددوا في هذا الأمر؛ حملهم هذا الغلو على اعتقاد تكفير مرتكب الكبيرة، واعتقاد تخليده في النار.
وفي مقابل هذه الفرقة، وكرد فعل لها ظهر الإرجاء، كفكر أخذ يغزو معتقد المسلمين، منددًا بمعتقد الخوارج، مضللًا إياهم، تتبناه طائفة [المرجئة] تعلن بصراحة موقفها المغاير لما التزمه الخوارج من تكفير مرتكب الكبيرة، دون معارضة لها في كون الإيمان حقيقة واحدة، لا يزيد ولا ينقص، وأن نقصانه يعني زواله بالكلية، وإنما من جهة تعريفه، وما يقتضيه ذلك المفهوم الجديد للإيمان، الذي ظهر في معتقد هؤلاء، حيث قصروا حقيقة الإيمان على خلاف بينهم في الإقرار أو التصديق، فأخرجوا بذلك العمل من مسمى الإيمان وغايروا المعنى الصحيح له، والذي عليه السلف الصالح - رضوان الله تعالى عليهم -.
فالإيمان عندهم لا يمكن أن يدخل فيه العمل؛ لأنه لو دخل لأدى ذلك إلى نقصانه بحجة عدم إمكان الإتيان بكافة أفراد العمل، وحتى لا يحكم بكفر مرتكب الكبيرة.
ولما كان نقصان الإيمان ممتنع، لأنه يعني - عندهم - زوال الإيمان بالكلية، التزموا لذلك إخراج العمل عن حقيقة الإيمان، واعتقاد وجوب قصره على الإقرار أو التصديق دون العمل.
قد أدت هذه المفاهيم الدخلية إلى الخروج عن الحقيقة الشرعية في المسائل المتعلقة بالكفر، ذلكم أن الذين اعتقدوا حصر الإيمان في الاعتقاد قصروا ما يضاده من الكفر أيضًا على الاعتقاد دون العمل، وخالفوا بذلك صريح النص في وقوع الكفر لبعض أنواع المخالفات التي قد ترتكب بالجوارح، تمامًا كوقوعه عند مناقضة أصل الإيمان بالتكذيب أو الشك.
وهذا ما سيتضح أكثر في مناقشة المسائل المتعلقة بالإيمان والكفر عند الأشاعرة، على ضوء الكتاب والسنة بمشيئة الله تعالى.