للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يبقى التنبيه هنا إلى أن شيخ الإسلام - رحمه الله - مع كونه أقر بصحة استدلال المتكلمين به إلا أنه لا يوافقهم في دلالة القرآن عليه، وذلك لبداهته واستقراره في الفطر ولكون الخصومة الواقعة من الأمم لم تكن في أحقيته، يقول بعد تقريره لدليل التمانع: "وبالجملة فالدلائل العقلية على هذا متعددة، وإن كان من الناس من يزعم أن دليل ذلك هو السمع، لكن هذا المطلوب الذي أثبتوه هو متفق عليه بين العقلاء.

ومقصود القرآن توحيد الإلهية، وهو مستلزم لما ذكروه من غير عكس" (١)

وقد ذهب إلى القول بدلالة السمع عليه الكثير من علماء السلف كما سيأتي بإذن الله؛ وعليه فإن ما استدل به الصاوى من الآيات الكريمة - كغيره من المتكلمين - لتقرير هذا الدليل صحيح في الجملة، فالقرآن الكريم قد اشتمل على كافة الأدلة التي ينبنى عليها الاعتقاد السليم، وقد يكون ذلك إما على سبيل التقرير، أو الرد على المخالف، فمن المعلوم ما وقعت به النصارى من شرك في ربوبية الله تعالى، حيث أثبتوا له الولد والصاحبة تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، وللقرآن الكريم أساليب متعددة كلها تبين بطلان هذا الزعم، وما ينبنى على تصوره من فساد محال، يجزم باستحالة ذلك المعتقد، في كثير من الآيات، ومن تلك الأدلة قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون: ٩١].

فقد دلت الآية الكريمة على إبطال ما يلزم من إثبات الشركة لله تعالى، وبطلان اللازم دليل على بطلان ملزومه.

يقول الإمام ابن كثير (٢) في تفسير الآية: "لو قدر تعدد الآلهة لا نفرد كل منهم


(١) المرجع السابق: (٩/ ٣٦٩). وانظر: ابن تيمية السلفى، للشيخ محمد خليل هراس: ٨٢.
(٢) هو الحافظ الكبير عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقى الفقيه المحدث المفسر المؤرخ انتهت إليه رياسة العلم في هذه الفنون أخذ عن الشيخ تقى الدين ابن تيمية فأكثر عنه من أشهر مصنفاته: تفسير القرآن العظيم، والبداية والنهاية، وجمع المسانيد العشرة، توفى سنة: ٧٧٤. انظر: شذرات الذهب: (٦/ ٢٣١).

<<  <   >  >>