للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [النساء: ١٧١].

ولكن المتكلمين لما حرصوا على انتهاج الأدلة العقلية في الاستدلال للعقائد؛ خاضوا مع أولئك اليهود والنصارى معارك ضارية، افترض عليهم مسلكهم القائم على التحسين والتقبيح العقلى أن يتنازلوا عن كثير من الضروريات التي اقتضاها مبدأ التسليم بالأدلة الشرعية كتابًا وسنة.

ولكل ما تقدم فقد ظهر أثر تبرير النصارى لعقيدة التثليث باعتقاد أن الثالوث ما هو إلا مجموعة أقانيم، أي صفات لذات واحدة أو أعراض لجوهر واحد في اقتناع المعتزلة بوجوب تنزيه الباري تعالى عن الصفات؛ حتى لا يلزمهم ما لزم النصارى من الوقوع في الشرك الأكبر (١).

وقد كان للرد على عقيدة الفلاسفة في الذات الإلهية دور كبير أيضًا في تحديد درجة الانحراف في الفكر الاعتزالى اتجاه توحيد الباري تعالى، وهذا ما أشار إليه الشهرستاني عند بيانه أصول معتقد شيخ الطائفة أبى الهذيل (٢): "وإنما اقتبس هذا الرأى من الفلاسفة الذين اعتقدوا أن ذاته واحدة لا كثرة فيها بوجه، وإنما الصفات ليست وراء الذات معانى قائمة بذاته، بل هي ذاته وترجع إلى السلوب أو اللوازم".

بل ويزيد في توضيح أصل معتقده جامعًا بين المؤثرات المنظرة لحقيقة ما ذهب إليه، قائلًا: وإذا أثبت أبو الهذيل هذه الصفات وجوها للذات فهى بعينها أقانيم النصارى أو أحوال أبى هاشم" (٣) وهذا كثير في عرضه آراء الفرق النصرانية.


(١) انظر: الملل والنحل للشهرستاني: (٢/ ٦٤). ونشأة الفكر الفلسفى في الإسلام، سامى النشار: (١/ ٩٧).
(٢) هو أبو الهذيل محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدى المعروف بالعلاف المتكلم شيخ البصريين في الاعتزال، كان كثير الجدل، توفي سنة ٢٣٥ هـ. انظر: وفيات الأعيان: (٤/ ٢٦٥).
(٣) الملل والنحل: (١/ ٦٣). انظر: نشأة الفكر الفلسفى في الإسلام، سامى النشار: (١/ ١٠٠).

<<  <   >  >>