للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتتضح المسألة أكثر عند بيان الأساس الذي بنى عليه الصاوى وجود المماثلة في هذه الصفات، فإن الشبهة التي اعتمدها الصاوى، وهى مماثلة الحوادث، قد استندت في الأساس إلى قياس القديم على الحادث، وهذا مما لا يجوز تعميم أحكامه في حق الباري تعالى (١)، لما يترتب عليه من نتائج باطلة، وذلك أنه حين أخذ يفصل طريقته في التأويل ابتدأ أولًا بالمراد من الصفة، فقال مثلًا: المحبة ميل القلب للمحبوب، وهذا مستحيل في حق المولى تعالى.

وقال عن الحياء: هو انكسار وتغير، يعترى صاحبه مما يستحيى منه، والله تعالى منزه عن ذلك.

فكانت طريقته مبنية على بيان حال العبد المتصف بهذه الصفة، وما يلحقه حال اتصافه بها، مما يدل على نقصه وحاجته، ومن ثم تنزيه المولى تعالى عنها.

ولا شك أن هذا مما لا أساس له من الصحة يسنده، فلا يجوز تمثيل صفة المولى تعالى بصفات المخلوقين، ثم الاستدلال على وجوب تأويلها بما يعترى المخلوق حال اتصافه بها؛ لأنه تبارك وتعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، وعقيدة أهل السنة والجماعة تقوم على إثبات ما أثبته تعالى لنفسه من غير تمثيل، دل على هذا الأصل قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. فما أوقع المتكلمين في هذا الاضطراب؛ إلا بعدهم عن المنهج الربانى الذي أمرنا المولى باتباعه في كتابه، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالصفة يفهم معناها؛ لأن الله تعالى إنما خاطبنا بلسان نفهمه، وأمرنا بتدبر آياته ومعانيه، ولكنه مع ذلك نبهنا إلى أمر مهم، وهو أنه تبارك وتعالى ليس كمثله شيء، ولا في شأن من شؤونه. (٢)

وبهذا تكون صفة الرحمة والمحبة والحياء والغضب والانتقام، كلها مما يثبت لله


(١) وهذا في الحقيقة يرجع إلى قياس الشمول [المعروف عند المناطقة بأنه الاستدلال بكلى على جزئى بواسطة اندراج ذلك الجزئى غيره تحت هذا الكلى. فهذا القياس مبني على أصول الأفراد المندرجة تحت هذا الكلى ولذلك يحكم على كل منهما بما حكم به عليه ومعلوم أنه لا مساواة بين الله عز وجل وبين خلقه]. شرح العقيدة الواسطية، الشيخ/ محمد خليل هراس: ٧٤.
(٢) انظر: إبطال التأويلات: (٢/ ٤١٣).

<<  <   >  >>