للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا ما رده عليهم شيخ الإسلام - رحمه الله - وبين عدم صحته لمخالفته ما قد أجمع العقلاء عليه، يقول: "أما كون الممكن بنفسه له ذات يعتقب عليه الوجود والعدم، وأنها مع ذلك قد تكون قديمة أزلية واجبة بغيرها، كما يقوله ابن سينا وموافقوه، فهذا باطل عند العقلاء قاطبة من الأولين والآخرين، حتى عند ابن سينا مع تناقضه". (١)

- ومع مخالفة المتكلمين للفلاسفة في هذا، واستدلالهم بالإمكان على الحدوث، لاقتضائه سبق الممكنات بالعدم، كما بين الصاوى، إلا أن شيخ الإسلام يخطئهم في استخدام مصطلح الإمكان من حيث امتناع دلالته على المراد، ببيان أن الممكن ما كان معدومًا أما ما وجد فقد خرج عن الإمكان إلى الوجوب بالغير، فالمعروف في فطر الناس أن ما مضى من وجود وعدم لا يسمونه ممكنًا، وإنما يسمون بالممكن شيئًا يمكن وجوده في المستقبل وعدمه في المستقبل". (٢)

هذا وقد سبقت الإشارة إلى أن الدليل حتى يتم به المقصود لا بد أن يتسم بالبيان والوضوح، وإلا خالف المراد منه، وهذا مما انتقده شيخ الإسلام - رحمه الله - على المتكلمين، حيث خالفوا السبيل المستبين إلى سبيل تتسم مقدماته بالطول والخفاء، واستخدام المصطلحات الفلسفية المبتدعة، مما جعل فهمه متعسرًا على الكثير، يقول: "فإن العلم بأن المحدث لا بد له من محدث أبين من العلم بأن الممكن لا بد له من واجب فتكون تلك الطريق أبين وأقصر، وهذه أخفى وأطول". إلى أن قال: "ومن استدل على الجلى بالخفى فإنه وإن تكلم حقًا فلم يسلك طريق الاستدلال. . . فإثبات الصانع بمثل هذه المقدمات لو كانت صحيحة كان الدليل باطلًا". (٣)

وبعد التنبيه على وعورة هذه المسالك، وانقطاعها بأصحابها في الوصول للمراد الأسمى، يجدر التنبيه إلى بيان الطرق الشرعية، التي ذكرت في القرآن الكريم والسنة المطهرة، باعتبار كفايتهما في الاستدلال على أصول الدين جملة وتفصيلًا -


(١) الدرء: (٣/ ٣٣٧).
(٢) الدرء: (٣/ ٣٥٠).
(٣) انظر: شرح العقيدة الأصفهانية: ٤٣.

<<  <   >  >>