كما بينت سابقًا - فإن طريقة القرآن الكريم في بيان هذا الأصل، تتفق وروح السماحة وإرادة الخير بالبشرية، التي تعد من أبرز سماته التي خصه الله بها.
فإن حديث القرآن عن معرفة الله تعالى، والاستدلال على وجوده , يتسم بأنه خطاب موجه للفطرة المغروسة في النفس البشرية، فجل ما يفيده في هذا المجال هو تنبيه العقل لإدراك هذه الحقيقة الكامنة فيه إن غفل عنها، وغابت معالمها في نفسه، ومن ثم إلزامها بما يقتضيه هذا الإقرار من التزام بأوامر الشرع المطهر، فدليل الخلق والإيجاد، يعتمد على مقدمتين، دلالة كل منهما تستند إلى اليقين، وهما: أن ما يشاهد من الموجودات مخلوق، وأنه لا بد لكل مخلوق من خالق.
حيث ترتكز المقدمة الأولى على مبدأ الإدراك الحسى، وذلك أن العلم بحدوث المخلوقات، تقتضيه مشاهدة ما يطرأ عليها من وجود بعد عدم، ومن فناء بعد وجود، وقد دل القرآن الكريم على هذه الضرورة، بأحسن بيان وأوجزه، قال تعالى:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}.
وغيرها من آيات الذكر الحكيم، التي نبهت إلى حقيقة الخلق في هذه الموجودات المشاهدة، وإقرار الكافرين بها، فاستدلت بها دون أن تستدل لها على ضرورة وجود خالق مبدع لتلك المخلوقات.
- أما المقدمة الثانية لهذا الدليل، وهى ضرورة أن يكون لهذه المخلوقات خالقًا مبدعًا، فتعتمد على مبدأ السببية، الذي يعد من أسمى مبادئ التفكير البشرى الهادى إلى معرفة الله تعالى، وقد اعتمد القرآن الكريم في الاستدلال على هذا الأصل العظيم إلزام المخاطبين به، قال تعالى:{أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}[النمل: ٦٤].
حيث تدل هذه الآية الكريمة على وجوب أن يكون لهم خالق خلقهم من غير أنفسهم، ومن ثم إلزامهم بوجوب أن يكون هو الخالق الذي لا إله إلا هو.