للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أتى هذا الإلزام بصيغة الاستفهام الإنكارى ليدل على فطرية هذه القضية واستقرارها في نفوسهم، بحيث يمتنع مخالجة الشك لها. (١)

يقول العلامة الشنقيطي - رحمه الله -: "لا يخلو الأمر من واحدة من ثلاث حالات بالتقسيم الصحيح والأولى: أن يكونوا خلقوا من غير شيء، أي بدون خالق أصلًا.

والثانية: أن يكونوا خلقوا أنفسهم.

والثالثة: أن يكون خلقهم خالق غير أنفسهم.

ولا شك أن القسمين الأولين باطلان، وبطلانهما ضرورى كما ترى، فلا حاجة إلى إقامة الدليل عليه لوضوحه، والثالث هو الحق الذي لا شك فيه، وهو جل وعلا خالقهم المستحق منهم أن يعبدوه وحده جل وعلا". (٢)

وعلى نفس مبدأ السببية يقوم دليل آخر، له ارتباط وثيق بدليل الخلق، وذلك من جهة اشتمال المخلوقات على ما هي عليه من الإحكام والإتقان، ومن ثم الاستدلال بذلك على وجود مبدع لها، أحكم وأتقن صنعها، يقوم هذا الدليل كسابقه على مقدمتين دلالتهما يقينية: أما المقدمة الأولى: وهى أن كل ما هو مشاهد من المخلوقات قد أحكم خلقه وأتقن، فتستند إلى الإدراك الحسى الذي يدرك هذه الحقيقة ويشاهدها دون أدنى شك.

وأما المقدمة الثانية، وهى أن كل ما أحكم صنعه وأتقن فإنه يدل على وجود بديع أبدعه، فتستند إلى مبدأ السببية، الذي يمنع أن يكون هذا الإحكام والإتقان قد وجد اتفاقًا بلا مسبب له، ومن ثم يلزم بوجود مسبب قادر على إبداع هذا الخلق وإحكامه.

والآيات التي تشهد لهذا الأصل كثيرة حتى عدها بعضهم في أكثر من ثمانين


(١) انظر: الرد على المنطقيين، لابن تيمية (٢٥٣).
(٢) أضواء البيان للشنقيطى (٤/ ٣٩٨).

<<  <   >  >>