للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوحى والرسالة، أما ما خلا ذلك فلا يمتنع عنهم الوقوع في بعض الصغائر، التي يظهر لهم مخالفتها؛ فيرجعون عنها على جهة الفور، وبهذا تنتفى حجة الصاوي في كون جواز وقوعهم في الذنب تشريعًا له، والله تعالى لا يأمر بالفحشاء، فقد جاءت الأدلة على استغفارهم من الذنب بعد ارتكابهم إياه، كما حصل لآدم - عليه السلام -، قال تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: ١٢١].

وموسى - عليه السلام - حين وكز الرجل القبطى؛ نصرة للذى من شيعته فوقع ميتًا: {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص: ١٥, ١٦]

وكذلك ما كان من نوح - عليه السلام - حين سأل الله تعالى وعده بنجاة أهله بعد غرق ولده: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود: ٤٧] وغيره مما لا مجال لحصره الآن.

ومن كل ما سبق علم أن الخطأ ولو حصل وقوعه منهم فإنه يبين ولا يقر عليه بحال، ومن المعلوم أن الاتباع يكون فيما حصل عليه الإقرار، أو تأتى له الثبات دون المنسوخ أو المبين خطؤه بالاستغفار منه، وعليه فإن العصمة التي تكون للأنبياء في حال تبليغهم عن الله تعالى تقتضى أن لا يقر أحدهم على خطأ مهما كان، لا أن يمتنع عن أحدهم الخطأ؛ لأن هذا مما لا يمكن في أحوال البشر، "فإن من جوز الصغائر ومن نفاها عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - مجمعون على أنه لا يقر على منكر من قول أو فعل" (١)

يقول شيخ الإسلام في هذا الجانب: "والعصمة فيما يبلغونه عن الله ثابتة، فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين" (٢)


(١) الشفا للقاضى عياض: (٤/ ٢٤١).
(٢) مجموع الفتاوى: (١٠/ ٢٩٠).

<<  <   >  >>