للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما كان التأويل عند المتكلمين مما يعم جميع النصوص الشرعية التي تدل على مخالفة ما ذهب إليه المتكلمون في القضايا الإلهية؛ إذ المعول عليه في تلك المسائل هو العقل وليس النقل، فإن أي آيٍ من القرآن الكريم أو الحديث النبوى لا يستدل به على جهة القطع في الدلالة على مقتضى إعماله؛ ما لم يدل على مقتضاه بدليل العقل.

ومن هنا فإن الصاوى كأسلافه من المتكلمين لم يعملوا الدلالة النصية للكتاب الكريم، والحديث الشريف على الأحكام العقدية إلا في السمعيات فقط، أو أجازوه فيه، فليس للتفريق أساس بين الظاهر والنص من الأدلة الشرعية إلا ذلك التقسيم الآنف الذكر، ومع ما يتشدق به المتكلمون من وجود القرائن والتى يرجعونها إلى قطعية الدلالة العقلية فإن الصحيح فيها أنها ليست بدليل يمكن بها رد النص وتقديمه عليه، وهذا يرجع إلى ما تقدم إجمال القول فيه من العلاقة بين النص الصحيح والعقل الصريح، ولعلى أذكر بعضًا من الأمثلة التي تدل على استدلال الأشاعرة بقطعية الدلالة عند عدم وجود المعارض العقلى على مذهبهم، يقول الباقلانى (١) في حكم مرتكب الكبيرة في الآخر: "فإن قال: فما تقولون في مذنبى أهل ملة الإسلام، هل يجوز العفو عنهم حتى لا يعاقب الفاسق بما كان من ظلمه لنفسه أو غيره؟ قيل له: نعم. فإن قال: فما الدليل على ذلك؟ قيل له: ما قدمناه من حسن العفو من الله ومن غيره، ومع أن الله تعالى قد بين ذلك في نص كتابه فقال: " {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨].

فاستثنى من المعاصى التي يجوز أن يغفرها الشرك فألحقت الأمة به ما كان بمثابته من ضروب الكفر والشرك (٢).


(١) هو أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر البصري المالكى الأصولى المتكلم، صنف الباقلانى تصانيف واسعة في الرد على الفرق المختلفة توفى سنة: ٤٠٣، انظر: في ترجمته: وفيات الأعيان: (٤/ ٢٦٩). وشذرات الذهب: (٣/ ١٦٨).
(٢) التمهيد: ٤٠٣.

<<  <   >  >>