للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"فظهر مما قررنا اتفاق السلف والخلف على تنزيهه تعالى عن معنى المحال، وعلى الإيمان بأنه من عند الله جاء به رسول الله، لكنهم اختلفوا في تعيين معنى صحيح وعدم تعيينه بناء على أن الوقف على قوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} أو على قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: ٧]. (١) "وهذه هي طريقة السلف، وأما طريقة الخلف فهى أحكم؛ فالوقف على أولى الألباب. فالراسخون معطوف على لفظ الجلالة". (٢)

* * *

ومما تقدم تبين أنه جعل تنزيه المولى عن ظاهر النص مجمعًا عليه بين السلف والخلف ولكن اختلفت طريقتهم في ذلك، يقول مقررًا هذا المبدأ: فإن العلماء ذكروا أن من أصول الكفر الأخذ بظواهر الكتاب والسنة". (٣)

ولكنه في تحليله السابق لمنهج السلف لم يصب الحقيقة، لأنه جعل مذهبهم - ومنهم الأئمة الأربعة - قائمًا على اعتقاد أن ظاهر النصوص يجب تنزيه المولى تعالى عنه لأن فيه مماثلة للحوادث - وهو ما عبر عنه بالمعنى المحال - وما كان كذلك وجب تفويضه للسلامة من تعيين ما لا يليق به سبحانه.

وهذا الذي توصل إلى فهمه من مذهب السلف لا يسلم له، فلم يؤثر عنهم اعتقاد كون النصوص يقتضى ظاهرها ما يخالف التمثيل الذي توهمه، كما تقدم بيانه؛ إذ هو مخالف لما هو معلوم من الدين بالضرورة من التسليم لدلالة النصوص واعتقاد ظاهرها دون ميل عن التوسط والاعتدال، وهذا الأصل دل عليه قول المولى تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١]. فهذا إثبات للظاهر المعلوم من اللفظ، مع التحذير من التعمق الذي يؤدي إلى التكييف والتمثيل، يقول شيخ الإسلام: "ولكن السلف والأئمة لم يكونوا يسمون هذا ظاهرًا


(١) وانظر: المرجع السابق.
(٢) حاشية الجلالين: (١/ ١٣١).
(٣) حاشية الجلالين: (١/ ١٣١).

<<  <   >  >>