للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبناء على ما تقدم اختلفت مواقف السلف في مكان الوقف في الآية الكريمة. فمن اعتقد أن التشابه أمر نسبى ولا يلزم من وقوعه لبعض الناس أن يعمم حكمه فلا يعلم لأحد، قالوا بجواز الوقف على: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} وكان هذا قول لابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس - رضى الله عنهم أجمعين -.

ومن قال بتعيينه: أوجب الوقف على لفظ الجلالة: [الله] وقد قال به ابن عباس - في أحد قوليه - وعائشة وابن مسعود وأبى بن كعب - رضى الله تعالى عنهم -. (١)

وعند تحليل الموقفين السابقين نصل إلى أن من أوجب الوقف على لفظ الجلالة فمنع بذلك علم المتشابه لأحد إلا الله تعالى حمل التشابه المذكور إلى المتعين على جهة بيان حقيقته كأخبار الغيب من الجنة والنار وغير ذلك.

أما من رأى الوقف على الراسخين في العلم فنسب بذلك العلم بالمتشابه إليهم، فإنه قصد به المتشابه النسبى الذي يلتبس فهمه على بعض الناس دون البعض. وبهذا يتضح موقف حبر الأمة في كلا القولين. (٢)

وبهذا يعلم أن آيات الصفات لا تدخل في المتشابه - كما اعتقد الصاوى وبنى عليه مذهبه في التأويل - إلا من حيث الكيفية والحقيقة أما من حيث المفهوم والمعنى فهى من المحكم الذي لا يلتبس فهمه على الراسخين في العلم وهذا ما قرره الإمام مالك - رحمه الله -، حيث قال: [الاستواء معلوم] ولا يمكن بحال حمل الصفات على المتشابه المطلق الذي ذهب البعض إلى اشتمال القرآن عليه كالحروف المقطعة في أوائل السور.

يقول شيخ الإسلام مؤيدًا ما سبق حاكيا: "اتفاق الأئمة على أنهم يعلمون معنى هذا المتشابه وأنه لا يسكت عن بيانه وتفسيره بل يبين ويفسر باتفاق الأئمة من غير تحريف له عن مواضعه أو إلحاد في أسمائه وآياته". (٣)


(١) جامع البيان في تفسير القرآن، للطبرى: (٣/ ١٨٥).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى: (٥/ ٣٤٧).
(٣) مجموع الفتاوى: (١٣/ ٢٩٦).

<<  <   >  >>