للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن جهة أخرى فإنه جعل علم الراسخين منطبقًا على ما ذهب إليه المتكلمون، فخالف بذلك الحقيقة الشرعية واللغوية للتأويل الذي ثبت حصوله لاهل العلم، إذ ينحصر مفهومه - عند السلف - في معرفة النصوص الشرعية، لانه قد أجمع - كما تقدم - على أن الحقيقة والمآل مما استأثر الله تعالى بعلمه فلا يدخل في علم الراسخين بحال.

ويكون بهذا قد حمل التأويل المذكور في الآية الكريمة على ما هو معهود عند المتأخرين وهو: صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله لقرينة. (١)

ومعلوم أن هذا المفهوم مستحدث، ليس بعمدة في المسائل المتعلقة بأصل الاعتقاد، بل الواجب في مثل هذه المهمات هو الرجوع إلى أقوال الأئمة من السلف - رضوان الله تعالى عليهم - والاكتفاء بما ذهبوا إليه، وذلك لاعتمادهم على ما أثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأقوال الصحابة والتابعين، واللغة العربية، فلا يجوز الخروج عن أقوالهم قدر أنملة في هذه المسائل؛ لأنها مبنية على الاتباع، فلا اجتهاد فيها بحال، وكل خروج عن ذلك هو في عداد البدع التي ذمها الشرع وحذر منها أيما تحذير.

هذا من حيث الجملة، وإلا فإنه ليس فيما أوردوه من النصوص ما يدل على وجوب صرفها عن ظاهرها على القول بالمجاز (٢) - لأنهم اشترطوا وجود القرينة وليس ثمة قرينة إلا ما رأوه هم مما لا أصل له في الشرع يعتمد عليه في مثل هذه المهمات.

وقد أجمل شيخ الإسلام - رحمه الله - الشروط التي يجب توفرها حتى يصح تأويل النص وفقًا لما ذهب إليه المتأول في ما يلى:


(١) انظر: التعريفات للجرجانى: ٧٧.
(٢) المجاز والتأويل عند المتأخرين وجهان لعملة واحدة فكل منهما إنما نشأ في أحضان الفكر الاعتزالى نتيجة لاعتقاد تعارض النقل مع العقل حيث وجدوا فيهما ما يسوغ لهم التمسك بما اعتقدوه من اليقينيات العقلية مع محاولة التخفى بستار اللغة تحت هذه المسميات المحدثة، على الرغم من بعدها كل البعد عن صميم المبادئ والمسلمات العقدية التي صورها لنا سلف الأمة رضوان الله عليهم بتسليمهم للنصوص الشرعية وإعمالها دون محاولة ايجاد مبررات للخروج عنها بلا أصل يرتكز على أساس من الشرع الحكيم وعليه فلا يمكن بحال الاستناد إلى مثل هذه المحدثات إلا بدليل قاطع يرجع الاعتماد عليه للتسليم بكل ما ورد في الكتاب والسنة فقط.

<<  <   >  >>