للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد استدل - رحمه الله تعالى - بحال جمهرة المسلمين الذين لا يعرفون علم الكلام، ومنهم أئمة أعلام وأصحاب حديث، وكيف أن الله تعالى قد حبب إليهم الأيمان وزينه في قلوبهم، حيث يرجع ذلك الميل وتلك المحبة إلى الفطرة التي جبلهم الله تعالى عليها ابتداءً، يقول: "قد سمى الله عز وجل راشدين القوم الذين زين الإيمان في قلوبهم وحببه إليهم، وكره إليهم الكفر والمعاصى، فضلًا منه ونعمة.

وهذا هو خلق الله تعالى الإيمان في قلوبهم ابتداءً، وعلى ألسنتهم، ولم يذكر الله في ذلك استدلالًا أصلًا، وبالله التوفيق" ويؤكد هذه الحقيقة الإيمانية التي امتزجت بها أرواحهم، "وليس هؤلاء مقلدين لآبائهم ولا لكبرائهم، لأن هؤلاء مقرون بألسنتهم، محققون في قلوبهم، أن آباءهم لو كفروا لما كفروا هم، بل كانوا يستحلون قتل آبائهم ورؤسائهم والبراءة منهم". (١)

ومع ذلك فإنه - رحمه الله - لم يغفل جانب النظر وأهميته، بل أكد على وجوبه لمن يحتاج إلى ذلك؛ إما بسبب شبهات عرضت له لا يمكن ردها إلا بطريق النظر، أو لكونه من الكفار الذين خالفوا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمروا بالإتيان بالبرهان وقد سبق لي عرض هذه المسألة بشيء من التفصيل، وبذلك يتبين وهن الأساس الذي بنى عليه المتكلمون رأيهم في مسألة التقليد.

وبهذا الذي تقدم من بيان الموقف الحق تجاه التقليد في باب الإيمان تظهر مخالفة الشيخ الصاوى لعقيدة السلف في إيجابه النظر وتأثيمه من تركه والحكم عليه بالعصيان، وقد سبق أن النظر لا يجب إلا على بعض الأعيان وفى بعض الأحيان ولكنه مع تأثيمه إياه فقد أصاب في إقراره بصحة إيمان المقلد الذي امتلأ قلبه إيمانًا.

كما حاد عن الصواب حين أقر أدلة المتكلمين، وجعلها طريقًا ثابتًا لمعرفة الله تعالى كما يجب (٢)، يقول الإمام الشوكانى: "ومن أمعن النظر في أحوال العوام


(١) الفصل: (٣/ ٣٨).
(٢) وهذه المسألة يزيد وضوحها عند عرضها في المبحث التالى.

<<  <   >  >>