للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما كانت الحقبة الزمنية الأخيرة من الحكم العثمانى هي محل الاهتمام والتحرى في هذا البحث فسأقتصر عليها لتوضيح هذا المبحث.

لقد كان في سيطرة العثمانيين، ومد زعامتهم على الأقطار الإسلامية توحيد لها بعد أن كانت كيانات متنافرة منذ أن سقطت الوحدة الإسلامية بسقوط الخلافة العباسية، وبصفة خاصة بعد أن تعرضت بغداد للتدمير المغولى الشامل في منتصف القرن الثالث عشر الميلادى الموافق منتصف القرن السابع الهجرى (١).

وهذه الوحدة الإسلامية التي حظيت بها الدول المسلمة تحت سيطرة الخلافة العثمانية كانت سببًا في حمايتها من أطماع الكثير، فقد حالت دون الصفويين الشيعة ودون السيطرة على العالم العربى، عندما اتجهت أطماعهم لضم العراق - أعادها الله لحوزة الإسلام والمسلمين - بحجة ضم مزارات الشيعة في النجف وكربلاء.

كما استطاع العثمانيون إيقاف توغل الاستعمار البرتغالى في البحار الإسلامية من البحر الأحمر والخليج العربى، بعد أن عجز المماليك وحلفاؤهم العرب من المغاربة وغيرهم من الوقوف أمام تهديدات البرتغال للأقطار المسلمة، حتى أنها أصدرت أمرًا بمنع المراكب المسيحية من دخول البحر الأحمر بحجة أنه يطل على الأماكن المقدسة، وقد كان لهذا العمل الجليل أهميته حيث حال دون الغزاة وتحقيق أطماعهم من الدولة المسلمة دهرًا من الزمن، إلى غير ذلك من الأعمال التي تمكنت بها الدولة العثمانية من فوض حمايتها على سائر الأقطار الإسلامية، وبقى الأمر على هذا إلى أن دب الضعف في كيان الدولة (٢).

فمنذ أوائل القرن الثاني عشر الهجرى صارت الدولة العثمانية رهينة للزوال والانهيار وذلك بعد أن بلغت ذروة مجدها في القرن العاشر الذي بلغت فيه أقصى فتوحاتها في دولة أوربا، ولكن بعد أن تمكنت منها عوامل الضعف ونخرت فيها


(١) في تاريخ العرب الحديث، الدكتور/ رأفت الشيخ: ٣٤.
(٢) انظر: الدولة العثمانية والشرق العربى، د. محمد أنيس: ١٢٨، نقلًا عن المصدر السابق.

<<  <   >  >>