للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من السلف بدلالة التثنية على إرادة الحقيقة، بأن هذه التثنية قد يراد بها الجنس مثل نعمة الدنيا والآخرة.

والحق أنه قد أصاب عند عرضه لرأى السلف في هذه الصفة ولكنه أخطأ عند إقراره لما عليه المتكلمون. نعم هناك نصوص فسرت فيها اليد بالذات كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} [يس: ٧١]. وقوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: ٤٧]. أيضًا فسرت هنا اليد بالقوة، كما هو عليه عامة المفسرين، وهذا التأويل مما يقتضيه السياق، وتحدده القرينة، فلا تحكم فيه بمجرد الرأى. (١)

فاليد هنا أتت بصيغة الجمع، وقد علم من لغة العرب أن اليد إذا جمعت قد يراد بها الذات أو القدرة أو القوة أو الكرم، ومن جهة أخرى فإن اليد في قوله تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} إضافة للعمل إليها، دون تعدية بالباء، وفى هذا دلالة صريحة على أن المراد بها هو ما يفهم من قوله خلقنا وعملنا، كقوله تعالى: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}.

وكذلك اليد في قوله تعالى: {بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ}، فإنها أتت بصيغة الجمع مع عدم إضافتها له تعالى، وهذا ما يحمل المراد بها على القوة أو القدرة. (٢)

أما الآية الكريمة التي بين الله تعالى فيها امتنانه على آدم - عليه السلام - بخلقه له بيديه الكريمتين، فلا يمكن بحال أن تؤول بالقدرة؛ لأنه يمتنع ذلك التأويل من عدة وجوه:

- التثنية في قوله تعالى {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥]: فإرادة التثنية في اللغة مانعة من احتمال المجاز، وبهذا يكون التأويل الذي ذكره الصاوى لا يستقيم له في نقض حجة السلف؛ لأن ما خرج به تأويل اليدين بالنعمتين ليس من لغة العرب، ولا هو معهود من كلامهم، وهذا ما روى عن الإمام أحمد في إنكاره على


(١) انظر: نقض الإمام الدارمي على المريسى: (١/ ٢٨٩).
(٢) انظر: الصواعق المرسلة: ٢٦٩.

<<  <   >  >>