للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"وقال أبو هاشم الجبائى وجمهور المعتزلة: إن المتقين هم الذين اتقوا جميع إلمعاصى، فلا يثبت دخول الجنة إلا لمن ترك جميع المعاصى، وهذا مذهب باطل؛ لمخالفته النصوص القرآنية والأحاديث النبوية". (١)

وفي معرض آخر يصرح بالأدلة التي يبطل بها مذهبهم من النصوص الشرعية، يقول: "أما المعاصى فلا تبطل ثواب الأعمال الصالحة خلافًا للمعتزلة القائلين بأن الكبائر تحبط الأعمال كالردة، ورد كلامهم بقوله تعالى: {لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] " (٢).

وكان هذا ردًا منه بالدليل الشرعي الذي يقطع ببطلان مذهبهم القائم على وجوب إنفاذ الوعيد للعصاة، حيث دل على أن الأمر راجع إلى مشيئته سبحانه، فقد يجازي بالعقاب المتوعد به، وقد يعفو فلا معقب لحكمه سبحانه.

وهذا من حيث الأصل في إنفاذ الوعيد لأهل الكبائر، أما في وقوعه على جهة التأبيد لهم، كما يعتمدونه في جانب الذم الموجب لمماثلة حكم أهل الكفر ويستدلون له بالشبه العقلية والنقلية، فللرد عليهم في هذا الباب يوجه أجوبة متعددة، كلها من القوة بمكان، مصوبًا بها أقوى الأدلة النقلية التي يستندون إليها في دعم مذهبهم، قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: ٩٣].

فأجاب أولًا بـ:

- سبب نزول هذه الآية، فبعد أن أورد القصة التي اشتهرت في سبب النزول وهى أن من قام بالقتل رجع إلى الكفر؛ معلنًا بذلك ارتداده عن دين الإسلام، وأن الوعيد في الآية قد توجه إليه بناء على ما آل إليه فعله، قال: "فعلى هذا الخلود في الآية على ظاهره" أي أنه استحق ذلك لأنه ارتد عن دينه بعد وقوع القتل منه.


(١) المرجع السابق: (٢٧٦/ ٢).
(٢) المرجع السابق: (٤/ ٨٩).

<<  <   >  >>