للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الإمام الثوري - رحمه الله -: إنما سموا متقين؛ لأنهم اتقوا ما لا يتقى.

وكلما قل الالتزام بالتقوى؛ قل ما أنيط بها من حصول الأمن وانتفاء الحزن.

أما التقوى الواجبة فهى التي أرادها الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - وهى التي تحمل صاحبها على فعل المامور وترك المحظور، وكم من الآيات التي تأمر المؤمنين بالتمسك بها، ومن المعلوم أن الأمر مقتضاه الوجوب، كما هو معلوم في أصول الفقه على القول الراجح في المسألة؛ لذلك قال الإمام ابن رجب: "وقد يغلب استعمال التقوى على اجتناب المحرمات، كما قال أبو هريرة وسئل عن التقوى، فقال: هل أخذت طريقًا ذا شوك؟ قال: نعم، قال: فكيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوك عدلت عنه، أو جاوزته، أو قصرت عنه، قال: ذاك التقوى" (١)

وأصل التقوى هو ما ذكره الصحابى الجليل معاذ بن جبل - رضى الله عنه - من أنها: نبذ الشرك وإخلاص العبادة لله تعالى. فالمراد إذًا تحقيق توحيد الألوهية الذي يعني الإتيان بركنى القبول، فالمقصود: أن تكون من العبد عبادة، ولا يسمى العمل عبادة لله إلا إذا كان مما تعبدنا الله تعالى به على لسان نبيه، وأن يراد بها وجه الله تعالى.

وهذا ما فسر به قوله سبحانه: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: ٢٧].

يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: "المراد من اتقى الله في ذلك العمل، كما قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: ٧] قال: أخلصه وأصوبه" (٢).

وعليه فإن ما ذهب إليه الصاوي في أن المتقى هو من أتى بالتقوى ولو مرة واحدة، مخالف للتقسيم السابق الذي دل عليه فهم علماء الامة لحقيقة التقوى المأمور بها، حتى صارت علمًا عند الكثير على ترك المعاصى والحذر منها؛ خوفًا من عقاب الله تعالى، وحذرًا من عذابه.


(١) المرجع السابق: (١/ ٤٠٢).
(٢) الفتاوى: (٧/ ٤٩٥).

<<  <   >  >>