للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا} [الشورى: ٥١]، يتناول وحي الأنبياء وغيرهم كالمحدثين الملهمين (١)

أما الوحي بمعناه الخاص، أو بمعناه الشرعي فهو ما يتعلق بالأنبياء - عليهم السلام - لإيصال الشرع إليهم، فلا يشاركهم أحد في هذه الخصيصة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} [يوسف: ١٠٩].

فهذا الوحي يراد به؛ إعلام الله تعالى من اصطفاه من عباده بالأحكام الشرعية.

هذا وقد بين العلماء الهيئة التي كان يأتي بها الوحي؛ استنادًا لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}.

يقول السيوطي - رحمه الله -: "قد ذكر العلماء للوحي كيفيات:

أحدها: أن يأتيه الملك في مثل صلصلة الجرس كما في الصحيح (٢).

قال الخطابي: والمراد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يثبته أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد.

وقيل: هو صوت خفق أجنحة الملك، والحكمة في تقدمه أن يفرغ سمعه للوحي فلا يبقى فيه مكانًا لغيره.

الثانية: أن ينفث في روعه الكلام نفثًا، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (إن روح القدس نفث في روعي، وأخبرني أنها لا تموت نفس حتى تستوفي أقصى رزقها، وإن أبطأ عنها، فيا أيها الناس! اتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء رزقه أن يخرج إلى ما حرم الله عليه، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته) (٣).


(١) النبوات: ١٧٨.
(٢) فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عائشة - رضي الله عنها -، أن الحارث بن هشام، سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: كيف يأتيك الوحي؟ قال: (كل ذاك، يأتي الملك أحيانًا في مثل صلصلة الجرس، فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وهو أشده عليه، ويتمثل لي الملك أحيانًا رجلًا فيكلمني فأعي ما يقول): كتاب بدء الخلق - باب ذكر الملائكة، رقم الحديث: ٣٢١٥.
(٣) مصنف عبد الرزاق: كتاب الجامع - باب القدر، رقم الحديث: ٢٠١٠٠: (١١/ ١٢٥).

<<  <   >  >>