للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان وقت نزوله جملة في رمضان ليلة القدر، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: ١٨٥]، وقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}. (١)

وعند نزوله على قلب النبي فقد كان ينزل منجمًا بحسب ما تقتضيه حكمة المولى، قال تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: ١٠٦].

وقد بين الشارع جانبًا من حكمة ذلك التنجيم، حيث قال: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: ٣٢].

- ولعظمة هذا الكتاب واشتماله على أنواع الهداية التي احتوتها كل الكتب السابقة، فقد تمت له الهيمنة عليها، فكان خاتمها والباقي إلى يوم القيامة، فعلاقته بها علاقة تصديق وهيمنة، ولبيان هذه العلاقة فإن شيخ الإسلام - رحمه الله - يعقد مقارنة بين الكتب المنزلة، وذلك في ضوء الآيات المتتالية في سورة المائدة من قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} إلى قوله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: ٤٨].

وقوله تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} [آل عمران: ٣]، يقول: "فهذا وما أشبهه مما فيه اقتران التوراة بالقرآن وتخصيصها بالذكر، يبين ما ذكروه من أن التوراة هي الأصل والإنجيل تبع لها في كثير من الأحكام وإن كان مغايرًا لبعضها، فلهذا يذكر الإنجيل مع التوراة والقرآن، في مثل قوله: {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} [التوبة: ١١١]، فيذكر الثلاثة تارة، ويذكر القرآن مع التوراة وحدها تارة لسر، وهو أن الإنجيل من وجه أصل، ومن وجه تبع، بخلاف القرآن مع التوراة، فإنه أصل من كل وجه، بل هو مهيمن على ما بين يديه من الكتاب، وإن كان موافقًا للتوراة في أصول الدين" (٢).


(١) ذكره السيوطي في: كيفية النزول: من كتاب التحرير من علم التفسير: ١١٦.
(٢) مجموع الفتاوى: (١٦/ ٤٥).

<<  <   >  >>