للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويسترسل في الحديث عن أوجه عظمة هذا الكتاب المبين، يقول عند قوله تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: ٣] " أي ميزت لفظًا ومعنى:

فاللفظ في أعلى طبقات البلاغة، معجز لجميع الخلق.

والمعنى: كالوعد والوعيد، والقصص والأحكام، وغير ذلك من المعاني المختلفة.

فإذا تأملت القرآن تجد بعض آياته متعلقًا بذات الله وصفاته، وبعضها متعلقًا بعجائب خلقه من السموات والأرض وما فيهما، وبعضها متعلقًا بالمواعظ والنصائح وغير ذلك، قال البوصيرى:

فلا تعد ولا تحصى عجائبها ... ولا تسام على الإكثار بالسأم (١) " (٢)

وقد اشتمل حديثه عن عظمة هذا الكتاب على بيان مكانة القرآن الكريم بين الكتب المنزلة، وذلك عند قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} [المائدة: ٤٨]، يقول: "أل في الكتاب للجنس فيشمل جميع الكتب السماوية، المهيمن: معناه الحاضر الرقيب، فالقرآن شاهد على سائر الكتب وعلى من آمن من أصحابها وكفر" (٣)

ولتأثره الملموس في كثير من مسائل الاعتقاد بآراء الصوفية نجد أنه يفرق بين الظاهر والباطن في التفسير من حيث الجواز والمنع على مختلف طبقات أهل العلم، يقول: "فالمراد بالعوام علماء الظاهر، ليس لهم خوض في القرآن إلا بالمنطوق، وتكلمهم بالعلوم الإشارية التي هي للخواص فضول منهم فالتكلم في اللطائف لغير الأولياء فضول منهم، ويدخلون في الوعيد الوارد: (من فسر القرآن برأيه فليتبوء مقعده من النار)، ما لم يمن الله عليه بعلم لدني فحاله لا ينكر" (٤)


(١) ديوان البوصيرى: ١٧٠.
(٢) حاشية الجلالين: (٤/ ١٧).
(٣) المرجع السابق: (١/ ٢٧٠).
(٤) الحديث أخرجه الترمذي بنحوه؛ في كتاب تفسير القرآن، باب ما جاء في الذي يُفسِّر القرآن برأيه (٢٩٥٠)، وقال: حديث حسن صحيح: (٥/ ١٨٣)، وانظر: حاشية الصلوات: ٦٣.

<<  <   >  >>