وقد تعددت مظاهر ذلك الانحراف ما بين سلوك واعتقاد وفكر وطريقة في الفهم والاستنباط، كنتيجة حتمية وثمرة لازمة لانحرافهم في مصادر التلقى ومناهج الاستدلال.
فتأكد الدفاع عن الحق نتيجة لذلك، إذ معرفته فقط لم تعد كافية، حيث عمت البلوى بانتشار البدع العقدية في أرجاء البلاد الإسلامية، وذلك تحت مسميات المذاهب المختلفة، كالفرق التي استجدت في واقع الأمة المسلمة، بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأصبح من الواجب التصدى لهؤلاء المبتدعة بما يحصل به إظهار الحق ورد الباطل، وذلك بالعودة إلى منابع الصدق واليقين: الكتاب والسنة، دون تعسف أو جور، وإنما بتحرى العدل والإنصاف تأسيًا بمنهج الكتاب والسنة وهدى علماء السلف رضى الله عنهم، فليس الهدف هو الانتصار للنفس وما تقرر فيها، وإنما إحقاق الحق والعدل الذي قامت به السموات والأرض، كل ذلك مقرونًا بتحرى الحكمة والجدال بالتى هي أحسن، كما أمرنا المولى تبارك وتعالى؛ تأسيًا بهدى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في دعوته، حيث قال آمرًا نبيه - صلى الله عليه وسلم - في محكم التنزيل:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل: ١٢٥].
ولما كان البحث في هذه القضايا العقدية بهذه الأهمية حيث أنيط بتحرى العدل والانتصار للحق فيه: الدفاع عن عقيدة السلف الصالح ومنهجهم في تقريرها؛ وجدت أنه من المفيد النافع اختيار شخصية شعرية يكون لها بروز وأثر علمى في تقرير المسائل العقدية؛ خصوصًا وقد علم ما للمذهب الأشعري من هيمنة على كثير من المؤسسات العلمية في كثير من الدول الإسلامية في وقتنا الحاضر.
إذ تأتى الأشعرية؛ كأبرز مذهب فكرى ينتسب إلى الإسلام على أنه من خالص التعاليم وحقيقة الدين، مع ما فيه من المحدثات العقدية مقننة بشبه عقلية وفلسفية، ومع ما فيه من بدع سلوكية، روج لها المتصوفة الذين انتسبوا إلى ذلك المذهب، تحت مصطلحات بدعية، وأفكار مستوحاة من أديان وضعية ومحرفة، أثرت كثيرًا