للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفى الإجابة على الإشكال الذي قد يرد من نهى المصطفى - عليه الصلاة والسلام - في قوله: (لا تخيرونى على موسى) (١) وقوله: (ولا تفضلوا بين الأنبياء) (٢) فمعناه لا تخيرونى تخييرًا يقتضى نقص موسى عن مرتبته، كأن تقولوا مثلًا: محمد نبى ورسول وحبيب وخليل دون موسى.

أما قوله: (لا تفضلونى على يونس بن متى) (٣)، فقيل معناه: لا تعتقدوا أنى أقرب إلى الله في الحس منه، حيث ناجيت ربى فوق السموات السبع، وناجى ربه في بطن الحوت" (٤)

ويعضد قوله بأفضلية المصطفى - صلى الله عليه وسلم - على سائر الخلق، بذكر صفاته الجامعة لمكارم أخلاق الأنبياء - عليهم جميعًا الصلاة والسلام -، وذلك عند قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: ٩٠]، يقول موجهًا هذا الاستدلال: "وبيانه أن جميع خصال الكمال وصفات الشرف كانت متفرقة فيهم، فكان نوح صاحب احتمال أذى على قومه، وإبراهيم صاحب كرم وبذل ومجاهدة في سبيل الله عز وجل، وإسحق ويعقوب وأيوب أصحاب صبر على البلاء والمحن، وداود وسليمان أصحاب شكر على النعم، ويوسف جمع بين الصبر والشكر، وموسى صاحب الشريعة الظاهرة والمعجزات الباهرة، وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس من أصحاب الزهد في الدنيا، وإسماعيل صاحب صدق الوعد، ويونس صاحب تضرع وإخبات، ثم إن الله أمر نبيه أن يقتدى بهم في جميع تلك الخصال المحمودة المتفرقة فيهم، فثبت بهذا أنه أفضل الأنبياء لما اجتمع فيه من هذه الخصال والله أعلم". (٥)


(١) أخرجه البخاري في: كتاب الخصومات - باب ما يذكر في الأشخاص والملازمة والخصومة بين المسلم واليهود، رقم الحديث: ٢٤١١.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء - باب قول الله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}، رقم الحديث ٣٤١٤.
(٣) ونص الحديث هو: (ولا أقول: إن أحدًا أفضل من يونس بن متى عليه السلام) أخرجه البخاري: كتاب الأنبياء - باب قول الله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}، رقم الحديث: ٣٤١٦ ..
(٤) حاشية الجوهرة: ٤٥.
(٥) حاشية الجلالين: (٢/ ٢٨).

<<  <   >  >>