أما المعنى الباطل وهو اعتقاد حصول البركة بذاته، ففيه تفصيل، فإذا اعتقد أن ذاته مباركة بمعنى أن الله خلق فيها البركة، وهو يرجع حصولها منه فشرك أصغر، لأنه من أنواع التوسل الشركي المحرم؛ إذ فيه اعتقاد حصول الخير، أو دفع الضر، بلا سبب شرعي أو كوني، فيؤدي إلى اعتقاد الوساطة البدعية، ولا شك أن هذا الاعتقاد بريد للوقوع في الشرك الأكبر؛ فإنه أحد أصول عقائد مشركي قريش، التي استندوا إليها في صرف أنواع العبادة من التوسل والدعاء والاستغاثة بغير الله تعالى.
أما إذا اعتقد أن ذاته تحدث البركة لمن حوله استقلالًا عن فعل الله؛ فهذا شرك أكبر في الخلق.
وهذا ما يعلم بضرورة التعبد لأسماء الله تعالى وصفاته، إذ "أن البركة كلها له تعالى ومنه؛ فهو المبارك، ومن ألقى عليه بركته فهو المبارك، ولهذا كان كتابه مباركًا، وبيته مباركًا، والأزمنة والأمكنة التي شرفها واختصها عن غيرها مباركة، فليلة القدر مباركة، وما حول الأقصى مبارك، وأرض الشام وصفها بالبركة في أربعة مواضع من كتابه أو خمسة، وتدبر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ثوبان الذي رواه مسلم في صحيحه عند انصرافة من الصلاة:(اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام). (١)
فتأمل هذه الألفاظ الكريمة كيف جمعت نوعى الثناء؛ أعني ثناء التنزيه والتسبيح، وثناء الحمد والتمجيد، بأبلغ لفظ وأوجزه وأتمه معنى، فأخبر أنه السلام ومنه السلام؛ فالسلام له وصفًا وملكًا، وقد تقدم بيان هذا في وصفه تعالى بالسلام، وأن صفات كماله ونعوت جلاله وأفعاله وأسمائه كلها سلام، وكذا الحمد كله له وصفًا وملكًا؛ فهو المحمود في ذاته، وهو الذي يجعل من يشاء من عباده محمودًا فيهبه حمدًا من عنده، وكذلك العزة كلها له وصفًا وملكًا، وهو العزيز الذي لا شيء أعز منه، ومن عز من عباده فبإعزازه له.
(١) كتاب: كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، رقم الحديث: ١٣٣٣: (٥/ ٩٢).