للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اعتقاد حلول البركة فيه بالمفهوم الصوفي وجوب صرف عبادة قلبية لا تجوز إلا لله تعالى، فليس لأحد أن يستغرق تمام الاستحضار القلبي إلا المولى تعالى.

بل إن مداومة العبد على ملاحظة المولى تعالى في كل الأحوال طريقه إلى بلوغ مقام الإحسان الذي قال فيه - عليه الصلاة والسلام -: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك). (١)

يقول الحافظ ابن رجب - رحمه الله - في بيان هذا المعنى: "يشير إلى أن العبد يعبد الله تعالى على هذه الصفة، وهو استحضار قربه، وأنه بين يديه كأنه يراه، وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم. . .

وقوله - صلى الله عليه وسلم - (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) قيل: إنه تعليل للأول، فإن العبد إذا أمر بمراقبة الله تعالى في العبادة واستحضار قربه من عبده حتى كأن العبد يراه فإنه قد يشق ذلك عليه فيستعين على ذلك بإيمانه بأن الله يراه ويطلع على سره وعلانيته وباطنه وظاهره، ولا يخفى عليه شيء من أمره، فإذا تحقق هذا المقام، سهل عليه الانتقال إلى المقام الثاني، وهو دوام التحقيق بالبصيرة إلى قرب الله من عبده ومعيته حتى كأنه يراه" (٢)

وعليه فكيف يوصى الطالب بإحلال عبد في مقام هو أعلى مراتب الدين؟ كما دل الحديث السابق عليه.

ثم إن طرد الشيطان لا يكون إلا بذكر المولى تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: ٢٠١]. وقال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: ٢٠٠].

فهذا هو السبيل الأوحد لإبعاد الشيطان، وقد علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عددًا من الأوراد التي يتقى بها كيده: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال


(١) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان - باب سؤال جبريل النبي عليه الصلاة والسلام.
(٢) جامع العلوم والحكم: ٧٢.

<<  <   >  >>