للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبواده، ولا يصل صاحبها إلى الأحوال، فإذا دامت تلك الصفة فعند ذلك تسمى حالًا" (١). والسبب: "وجود الاشتباه لمكان تشابههما في نفسهما، وتداخلهما، فتراءى للبعض الشيء حالًا وتراءى للبعض مقامًا" (٢).

ومع ذلك فإنه يمكن القول بأن الأحوال تبقى في هذه المنزلة ولا تنتقل منها إلى درجة المقام إلا عند الثبات عليها، فإن وجود التداخل بينهما؛ قد يصح معه أن يكون نفس الأمر عند البعض حالًا والبعض مقامًا (٣).

أما عن حقيقة هذه المقامات، فإنه قد سبق الحديث عن المراحل التي مر بها التصوف، وذلك عندما تبلورت مواضيع التصرف وفق المذاهب والفلسفات التي تأثرت بها، فلم يكن التصوف ثمرة لاتجاه معين؛ بل هو فكر متعدد المصادر، فإن الحكم على المقامات في الحقيقة يتبع الحكم على التصوف نفسه؛ إذ هي المحور الذي تدور حوله موضوعات التصوف، فليس حديث المتقدمين عن المقامات، التي هي عندهم عدد من العبادات المشروعة؛ كالرضا والطمأنينة، وإن وجد فيها نوع من الغلو؛ كالحديث عن المقامات التي استقر عليها خط الانحراف.

فإن من أظهر "أوجه الشبه الموجودة بين البوذية، وبين طرق التصوف: مسألة المقامات، التي يرتقي فيها السالك بالترتيب والتدريج من مقام إلى آخر؛ حتى يصل إلى مقام الفناء فوجهة الفناء الأخلاقية هي: "إخماد كل الميول والأهواء، ومحو الصفات الذميمة؛ بممارسة الأخلاق الفاضلة، والنيرفانا هي: كبح جماح النفس، التي هي تلك الناحية الحيوانية المثيرة للمعاصي، الموجودة في جبلة البشر؛ بحكم عملنا لإرادة الحياة، وهي تجعل الإنسان قعيدًا لا يأتي بشيء". (٤)

* * *


(١) الرسالة القشيرية: ٥٧.
(٢) عوارف المعارف: ٣٢٦.
(٣) انظر: مقدمة ابن خلدون: ٤٦٨.
(٤) تاريخ التصوف في الإسلام، للدكتور/ قاسم غنى: ٢٣١ - ٢٣٦.

<<  <   >  >>