للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن هذه الصلاة هي إحدى الصلوات التي امتلأ بها ذلك المؤلف الخطير، والتى نالت حيزًا من اهتمام الصاوى فيه، حيث قام بشرح ألفاظها كلمة كلمة.

ولعلة من الواضح مخالفة هذا العبارات لحقيقة التوحيد الذي هو الغاية العظمى من خلق الثقلين وإرسال الرسل والأنبياء، ومع ذلك فعند إرادة الحكم عليها فإنه يحسن بيان حقيقة التوحيد أولًا؛ حتى يفهم مدى مطابقة ما أراده ذلك المبتدع أم لا، إن معنى التوحيد هو الإيمان بأن الله هو الخالق الرازق المستحق لكل صفات الكمال؛ وبالتالى فهو المستحق للعبادة دون من سواه، ولا يمكن لهذا التصور أن يتجلى في قلب العبد، إلا إذا استشعر الفرق بين الخالق والمخلوق، فكلما ازداد يقين العبد بعظمة باريه وكمال صفاته، واختلاف ذاته سبحانه تمام الاختلاف عن ذات عبده؛ كلما تحققت عبوديته وصح توحيده؛ فيؤمن بربوبيته المستغرقة لكل أوصاف الكمال، وتنصرف إرادته له فلا يبقى في قلبه مراد للعبادة سواه، والذي يؤكد حقيقة هذا المعنى ما كان يدعو إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد كان يذكر اتباعه دومًا بهذه الحقيقة، وهى أن كل ما سوى الله فهو عبد لا يخرج عن دائرة عبوديته ولا بحال، حتى ولو كان رسولًا من أشرف الرسل وأرفعهم منزلة عند الله، فقد قال حرصًا على صفاء عقيدة أصحابه من الزيغ والضلال: (لا تطرونى كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) (١).

إن هذه الكلمات التي نطقت بها رسالة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -؛ لترد كل هذا البغى الذي سطرته أقلام هؤلاء المبتدعة، في عقيدة وحدة الوجود والغلو في المصطفى - صلى الله عليه وسلم -؛ مما يخرج به عن طور البشر، والتى أعلنتها عبارات هذه الصلاة المبتدعة.

وإذا كان من الواجب بيان حكم هذا الكلام فليست تخرج كلماته عن دائرة الكفر بحال، أما القائل فمن غير الممكن في هذا المجال أن أحكم على شخصه.


(١) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الأنبياء - باب قوله: (واذكر في الكتاب مريم) - رقم الحديث: ٣٤٤٥.

<<  <   >  >>