للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن لهذا الحلول نوعين، النوع الأول: أن تحل الذات العلية - تعالى الله عن قولهم - في الإنسان، ولكن دون أن يحصل بينهما امتزاج.

أما الصورة الثانية فهي أن تحل الذات بالذات حلولًا اتحاديًا سريانيًا بحيث تنتفي المغايرة بينهما، فيصبحان شيئًا واحدًا، فتكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر. (١) وهذا هو الاتحاد الذي يكون بمعنى "جعل الشيئين واحدًا" (٢)

ومن هنا اتضح عين المبدأ الذي تقوم عليه عقيدة وحدة الوجود، مع شيء من التوسع، بحيث يندرج في هذا الاتحاد جميع من يوصف بالوجود دون تميز لبعض الموجودات عن البعض الآخر.

وهذه بعض النقول عن القائلين بالاتحاد والحلول تفسر حقيقة مذهبهم، وما ينبني عليه من أحكام تهدم المعتقد:

- يقول ابن الفارض:

لها صلواتي بالمقام أقيمها ... وأشهد فيها أنها لي صلت

ويقول في التنظير لوحدة الأديان الذي انبنى على كل هذه الانحرافات:

وإن عبد النار المجوس وما انطفت ... كما جاء في الأخبار في ألف حجة

فما قصدوا غيري وإن كان قصدهم ... سواي وإن لم يظهروا عقدية. (٣)

أما عن وحدة الوجود بالمفهوم الذي تقرر عرضه في بدء الحديث فإن ظهورها كفر منظر مقعد إنما تم على يد الضال ابن عربي، يقول في بيت الشاعر:

وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد

وهذه الآية التي في كل شيء التي تدل على وحدانية الله هي وحدانية الشيء لا أمر آخر. . . فإذن المعبود بكل لسان وفي كل حال وزمان إنما هو الواحد، والعابد من كل عابد إنما هو الواحد، فما ثم إلا الواحد، والاثنان إنما هو واحد وكذلك الثلاثة والأربعة والعشرة والمائة". (٤)


(١) انظر التعاريف، للمناوي: (١/ ٢٩٥). والتعريفات للجرجاني: (١/ ١٢٦).
(٢) التعاريف: (١/ ٣١).
(٣) التائية الكبرى، لابن الفارض، انظر: الفلسفة الدينية والصوفية، عبد القادر محمود: ١٦٣.
(٤) رسائل ابن عربي، كتاب الأحدية: ٤٨.

<<  <   >  >>