للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مخاطر أوهت بالثوابت وأردت بالقيم، حيث حملهم على عدم التفريق بين المحظور والمأمور، فصارت الطاعة مماثلة للمعصية حتى قال قائلهم: فعلمك لا جهل وفعلك لا وزر، وهذا هو عين الكفر والخروج من الدين، وقد يكون هذا من شدة الوارد وقد يكون متعمدًا وأيًا كان فإن هذا من الأوهام التي يستند إليها الجهلة في ارتكاب المحاذير، يقول شيخ الإسلام حاكيًا شبهتهم في شهود الأفعال والاستغراق في مطالعة القدر: "وأما شهود القدر، فيقال: لا ريب أن الله تعالى خالق كل شيء ومليكه، والقدر هو قدرة الله - كما قال الإمام أحمد - وهو المقدر لكل ما هو كائن، لكن هذا لا ينفي حقيقة الأمر والنهي، والوعد والوعيد، وأن من الأفعال ما ينفع صاحبه فيحصل له به النعيم، ومنها ما يضر صاحبه فيحصل به عذاب، فنحن لا ننكر اشتراك الجميع من جهة المشيئة والربوبية وابتداء الأمور، لكن نثبت فرقًا آخر من جهة الحكمة والأوامر الإلهية ونهاية الأمور، فإن العاقبة للتقوى، لا لغير المتقين، وقد قال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (١)

ومن هنا كان "الفناء الذي يفضي بصاحبه إلى مثل هذا حال ناقص، وإن كان صاحبه غير مكلف، ولهذا لم يرد مثل هذا عن الصحابة الكرام الذين هم أفضل هذه الأمة، ولا عن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو أفضل الرسل" (٢)

ولما كانت البدعة بريدًا إلى الكفر ومفتاحًا لبابه، لم يتوقف الأمر عند هذا الخلط والاضطراب في حقيقة الطاعة والمعصية، بل تعداه إلى الكفر الصراح بتسوية الخالق بالمخلوق، يقول شيخ الإسلام: "فمن شهد الحقيقة الكونية دون الحقيقة الدينية، سوى بين هذه الأصناف المختلفة التي فرق الله بينها غاية التفريق، حتى تؤول به هذه التسوية إلى أن يسوى بين الله وبين الأصنام، كما قال تعالى:


(١) مجموع الفتاوى: (٨/ ٣٠٨).
(٢) مجموع الفتاوى: (١٠/ ٦٠).

<<  <   >  >>