للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في تفاصيل هذه المواهب مما يسلم له، فليست الكرامة هي دليل الولاية وبرهانها، بحيث لا يمكن ثبوت الاتصاف بها إلا مع التحلي بتلك العطايا والكرامات. وأعني بها: الكرامة في معناها الخاص، وهي ما يتحصل به خرق العادات، كالسير على المياه ومعرفة ما قد يقع في المستقبل، عن طريق الإلهام الكشفي أو المنامي مثلًا.

ولكن هنا ما يجب التنبيه إليه: فكما أن هذه المواهب مما لا يتوقف ثبوت الولاية عليها، فليست مانعًا من قيامها بالعبد، فكذلك الحال مع وجودها؛ أعني أن تحققها في المكلف لا يدل على ولايته، وهذا ما لم يفطن إليه الصاوي.

وعليه فالكرامة بهذا المفهوم الخاص قد فقدت مقومات الدلالة، فمن المقرر أنه إذا وجد الدليل وجد المدلول "فإن الدليل ملزوم للمدلول عليه، وإذا تحقق الملزوم تحقق اللازم وإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم، فإذا ثبت الدليل ثبت المدلول عليه، وإذا فسد المدلول عليه لزم فساد الدليل" (١).

يقول العلامة الألوسي: "وأحسن ما يعتمد عليه في معرفة الولاية اتباع الشريعة الغراء، وسلوك المحجة البيضاء، فمن خرج عنها قيد شبر بعد عن الولاية بمراحل، فلا ينبغي أن يطلق عليه اسم ولي، ولو أتى بألف ألف خارق، فالولى الشرعي اليوم أعز من الكبريت الأحمر، ولا حول ولا قوة إلا بالله:

أما الخيام فإنها كخيامهم ... وأرى نساء الحي غير نسائها" (٢)

أما ما ذكر إمكان حصوله من الأمور الغير مكتسبة للولى كالعلم بالمغيبات، والعلوم اللدنية والاجتماع بسيد العالمين، فهذا فيه تفصيل، لأن العلم بالغيب وإن وقع بطريق الكشف والإلهام المقرر شرعًا، إلا أنه لا يستند إليه في أمر أخروي على جهة الإطلاق.

إن مهمة الرؤيا الصادقة كواحدة من أهم مسالك الإلهام للعبد لتقف عند حد التبشير، كما بين ذلك المولى بقوله: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا


(١) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، لشيخ الإسلام ابن تيمية: (٢/ ٤٢).
(٢) روح المعاني: (١١/ ١٤٩).

<<  <   >  >>