للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أدخلوا في مسمى الكرامة الكثير من الأمور، التي لا يصح وقوعها لأحد من البشر كائنًا من كان، وقد ساقهم هذا المنحى المضطرب في فهم حقيقة الكرامة إلى ابتذالها، حتى غدت علمًا عندهم على الإتيان بالعجائب من الأفعال والأقوال، ولو كانت مما يخل بالمروءة والقيم الأصيلة، وحتى غدا المارستان موطنًا للكثير من الكرامات.

- ولعلي أذكر بعض ما عجت به تصانيف الصوفية في هذا المقام، يقول المناوي في ذي النون المصرى: ومن مقاماته العلية الفائقة وأحواله المدهشة الخارقة أن روحه الشريفة كانت تدبر أجسامًا متعددة" (١) فهل هذا من الكرامة أم من الأوهام الخيالية؟

ويقول في عبد القادر الجيلاني: ومن كراماته أنه كان أيام رضاعته لا يرضع في رمضان، فكان الناس إذا شكوا في الهلال رجعوا إليه" (٢).

ويقول في أحدهم: "وله كرامات كثيرة، فلما قدم السهروردي إلى دمشق أراد زيارته فقالوا له: لا تفعل الرجل لا يصوم ولا يصلي ويمشي مكشوف العورة غالبًا، فركب السهروردي بغلته وحوله الجمع الجم، فلما وصل إلى قرب مكانه رآه الرجل فكشف عورته" (٣) وهناك الكثير من القصص التي يستحيي من ذكرها (٤)، ولعل في هذا القدر كفاية، ولكل هذا الانحراف؛ فقد صارت حقيقة الكرامة عندهم مخالفة تمامًا للحقيقة الشرعية، التي دلت عليها نصوص الكتاب والسنة.

أما عن منزلة الكرامة عندهم؛ فتعد الدليل الأوحد الذي يمكن بتحققه الوصول إلى مرتبة الولاية عندهم، بل يرى البعض أن معرفة الولاية لا يكون إلا بمعرفة حد الكرامة، كما أن النبوة لا تعرف إلا بمعرفة حد المعجزة، فإذا كان من غير الممكن تكذيب النبي بعد ثبات نبوته بدليل المعجز كدليل برهاني، فكذلك لا يمكن بعد معرفة الكرامة وثبوت الوصف المعين الذي يميزها عن غيرها إنكار ولاية من قامت


(١) الكواكب الدرية: (١/ ٤٠١).
(٢) المرجع السابق: (١/ ٦٧٨): هذا وكثير مما حكى عنهم اختراعات لا أصل لها.
(٣) المرجع السابق: (١/ ٦٩٠).
(٤) انظر: الطبقات الكبرى للشعراني، ترجمة عبد القادر السبكي: ٦٦٤.

<<  <   >  >>