للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أبطل الشيخ أبو الحسن الأشعري (١) مقولتهم في نفى اليدين، وتأويلها بالنعمة استدلالًا بقياس الغائب على الشاهد ببيان أنه لا يصح اعتماده في صفات الله لما يؤول إليه من نفى الكثير منها بالرغم من تسليمهم باتصافه عز وجل بها، يقول: "ويقال لهم: لم أنكرتم أن يكون الله تعالى عنى بقوله بيدى يدين ليستا نعمتين؟ فإن قالوا: لأن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة. قيل لهم: ولم قضيتم أن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة؟ وإن رجونا إلى شاهدنا أو إلى ما نجده فيما بيننا من الخلق، فقالوا: اليد إذا لم تكن نعمة في الشاهد لم تكن إلا جارحة.

قيل لهم: إن عملتم على الشاهد وقضيتم به على الله تعالى، فكذلك لم نجد حيًا من الخلق إلا جسمًا لحمًا ودمًا فاقضوا بذلك على الله - تعالى عن ذلك -، وإلا كنتم لقولكم تاركين، ولاعتلالكم ناقضين، وإن أثبتم حيًا لا كالأحياء منا؛ فلم أنكرتم أن تكون اليدان اللتان أخبر الله تعالى عنهما يدين ليستا نعمتين، ولا جارحتين، ولا كالأيدى". (٢)

* * *

وشيخ الإسلام - رحمه الله - لبيان ضلال هؤلاء المتكلمين في استدلالهم بهذا الدليل يذكر ما وقعوا من تناقض واضطراب نتيجة لاتباعهم مسلك الابتداع، ويقول: "المتكلمون والفلاسفة كلهم على اختلاف مقالاتهم هم في قياس الغائب على الشاهد مضطربين، كل منهم يستعمله فيما يثبته ويرد على منازعه ما استعمله في ذلك، وإن كان قد استعمل هو في موضع آخر ما هو دونه، وسبب ذلك أنهم


(١) علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن قيس الأشعرى اليماني، تنسب إليه الطائفة الأشعرية ولد بالبصرة سنة: ٢٧٠، كان على مذهب الاعتزال تتلمذ على يد أبى على الجبائى وبعد ذلك فارقه إلى الاشعرية ومنه إلى مذهب السلف وله مؤلفات كثيرة رد فيها على المعتزلة والخوارج شذرات الذهب: (٢/ ٣٠٣) ومعجم المؤلفين: (٧/ ٣٥).
(٢) الإبانة: ١٣٦.

<<  <   >  >>