نزول، أو أُلقي إلى روع مسلم بإلهام، هل كانت إلا إليك، فاتق الله تقوى من علم مقدار سخطه، فقد قال: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ [الزخرف: ٥٥] وقد ملأتكم في عيونكم مدائح الشعراء، ومداجاة المتمولين بدولتكم، الأغنياء الأغبياء الذين خسروا الله فيكم فحسنوا لكم طرائقكم، والعاقل مَنْ عرف نفسه، ولم يغيره مدح مَنْ لا يخبرها. [المنتظم ١٧/ ١٦، ١٧].
• وقال ابن كثير ﵀: كان أبو عبد الله البالسي يومَ قازان في جملة من كان مع الشيخ تقي الدين ابن تيمية ﵀ لمَّا تكلم مع قازان، فحكى عن كلام شيخ الإسلام تقي الدين لقازان، وشجاعته، وجرأته عليه، وأنه قال لترجمانه: قل لقازان: أنت تزعم أنك مسلم، ومعك مؤذنون، وقاضي، وإمام، وشيخ على ما بلغنا، فغزوتنا، ودخلت بلادنا على ماذا؟ وأبوك وجدك هولاكو كانا كافرين، وما غزوا بلاد الإسلام بل عاهدوا قومنا، وأنت عاهدت فغدرت، وقلت فما وفَّيت، قال: وجرت له مع قازان وقُطْلوشاه وبولاي أمورٌ ونُوَب، قام ابن تيمية فيها كلها لله، وقال الحق ولم يخش إلا الله ﷿ قال: وقُرِّب إلى الجماعة طعام، فأكلوا منه إلا ابن تيمية، فقيل له: ألا تأكل؟ فقال: كيف آكل من طعامكم، وكلُّه مما نهبتم من أغنام الناس، وطبختموه بما قطعتم من أشجار الناس، قال: ثم إن قازان طلب منه الدعاء، فقال في دعائه: اللهم إن كان هذا عبدك محمود إنما يقاتل لتكون كلمتك هي العليا، وليكون الدين كله لك فانصره، وأيده وملِّكه البلاد والعباد، وإن كان إنما قام رياء، وسمعة، وطلبًا للدنيا، ولتكون كلمته هي العليا، وليذل الإسلام، وأهله فاخذْله، وزلزله، ودمِّره، واقطع دابره، قال: وقازان يؤمِّن على دعائه، ويرفع يديه، قال: فجعلنا نجمع ثيابنا خوفًا من أن تتلوث بدمه إذا أمر بقتله، قال: فلمَّا خرجنا من عنده قال له قاضي القضاة نجم الدين ابن صصرى وغيره: كدت أن تهلكنا وتهلك نفسك، والله لا نصحبك.
فقال: وأنا والله لا أصحبكم، قال: فانطلقنا عصبة وتأخَّر هو في خاصة نفسه، ومعه جماعة من أصحابه فتسامعت به الخواتين والأمراء من أصحاب قازان، فأتوه يتبركون بدعائه، وهو سائر إلى دمشق، وينظرون إليه، قال: والله ما وصل إلى دمشق إلا في نحو ثلاثمائة