للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحَدَّث بحديث، فقال الطَّبراني: أنا (١) سليمان بن أيوب ومني سمعه أبو خليفة، فاسمع مني حتى يَعْلُو فيه إسنادُك، فخجل الجعابي، فوددت لو أن الوزارة لم تكن وكنتُ أنا الطبراني، وفرحت كفرحه، أو كما قال. [السير (تهذيبه) ٣/ ١٢٧٣].

• وعن أبي إسحاق الحربي أنه قال: كان هشيم بن بشير رجلاً كان أبوه صاحب صحناة (٢) وكواميخ (٣)، فطلب ابنه هشيم الحديث واشتهاه، وكان أبوه يمنعه. فكتب الحديث حتى جالس أبا شيبة القاضي ، وكان يناظر أبا شيبة في الفقه، فمرض هشيم، فقال أبو شيبة: ما فعل ذلك الفتى الذي كان يجيء إلينا؟ قالوا: عليل. فقال: قوموا بنا حتى نعوده، فقام أهل المجلس جميعًا يعودونه حتى جاؤوا إلى منزل بشير، فدخلوا إلى هشيم، فجاء رجل إلى بشير ويده في الصحناة. فقال: الحق ابنك، قد جاء القاضي إليه يعوده، فجاء بشير والقاضي في داره فلما خرج قال لابنه: يا بني قد كنت أمنعك من طلب الحديث، فأما اليوم فلا، صار القاضي يجيء إلى بابي، متى أمَّلْت أنا هذا؟ [المنتظم ٩/ ٨٩، ٩٠].

(ب) تعريف العلم (٤)، وكيفية أخذه، وبيان فضله:

• عن كميل بن زياد قال: أخذ علي بن أبي طالب بيدي فأخرجني


(١) في الأصل: أخبرنا، وفي بقية المصادر " أنا " ولعله أصح، وهو الذي ذكره المصنف في تاريخه.
(٢) الصّحْنا والصّحناة: إدام يُتخذ من السمك الصغار، مصلحٌ للمعدة. القاموس المحيط، مادة صَحَنة
(٣) الكامَخ: نوع من الإدام، وهو معَرَّب. ولم يذكر صاحب القاموس واللسان غير هذا.
(٤) قال شيخ الإسلام ابن تيمية : العلم ثلاثة أقسام:
علم بالله وأسمائه وصفاته: وما يتبع ذلك، وفي مثله أنزل الله سورة الإخلاص، وآية الكرسي، ونحوهما.
والقسم الثاني: العلم بما أخبر الله به، مما كان من الأمور الماضية، وما يكون من الأمور المستقبلة، وما هو كائن من الأمور الحاضرة، وفي مثل هذا أنزل الله آيات القصص، والوعد، والوعيد وصفة الجنة والنار، ونحو ذلك.
والقسم الثالث: العلم بما أمر الله به من الأمور المتعلقة بالقلوب والجوارح من الإيمان بالله من معارف القلوب وأحوالها وأقوال الجوارح وأعمالها، وهذا العلم يندرج فيه العلم بأصول الإيمان وقواعد الإسلام ويندرج فيه العلم بالأقوال والأفعال الظاهرة، وهذا العلم يندرج فيه ما وجد في كتب الفقهاء من العلم بأحكام الأفعال الظاهرة، فإن ذلك جزء من جزء من جزء من علم الدين، كما أن المكاشفات التي تكون لأهل الصفا جزء من جزء من جزء من علم الأمور الكونية.
والناس إنما يغلطون في هذه المسائل، لأنهم يفهمون مسميات الأسماء الواردة في الكتاب والسنة، ولا يعرفون حقائق الأمور الموجودة، فرب رجل يحفظ حروف العلم التي أعظمها حفظ حروف القرآن ولا يكون له من الفهم، بل ولا من الإيمان ما يتميز به على من أوتي القرآن ولم يؤت حفظ حروف العلم، كما قال النبي في الحديث المتفق عليه: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها. ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر. ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها).

فقد يكون الرجل حافظًا لحروف القرآن وسوره، ولا يكون مؤمنا بل يكون منافقًا. فالمؤمن الذي لا يحفظ حروفه وسوره خير منه. وإن كان ذلك المنافق ينتفع به الغير كما ينتفع بالريحان. وأما الذي أوتي العلم والإيمان فهو مؤمن عليم، فهو أفضل من المؤمن الذي ليس مثله في العلم مثل اشتراكهما في الإيمان، فهذا أصل تجب معرفته. مجموع الفتاوى ١١/ ١٨٤

<<  <   >  >>