للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عناية السلف بالفقراء والمساكين (١)

• قال أسلم: خرجتُ ليلةً مع عمرَ ﵁ إلى ظاهرِ المدينة، فلاحَ لنا بيتُ شعْرٍ فقصدْناه، فإذا فيه امرأةٌ تمْخضُ وتَبْكي، فسألها عمرُ عن حالها، فقالت: أنا امرأةٌ غريبةٌ وليس عندي شيءٌ. فبكى عمر وعاد يُهَرْوِلُ إلى بيته، فقال لامرأتِه أمِّ كلثوم بنت عليِّ بن أبي طالب: هل لك في أجرٍ ساقه الله إليكِ؟ وأخبرها الخبر، فقالت: نعم، فحمَل على ظهره دقيقًا وشحمًا، وحملت أمُّ كلثوم ما يصلحُ للولادةِ وجاءا، فدخلَت أمُّ كلثوم على المرأةِ، وجلس عمرُ مع زوجها - وهو لا يعرفُه - يتحدَّث، فوضعت المرأةُ غلامًا، فقالت أمُّ كلثومٍ: يا أمير المؤمنين بَشّرْ صاحبَك بغلامٍ. فلمَّا سمع الرجلُ قولها


(١) قال ابن رجب ﵀: حب المساكين أصل الحب في الله تعالى؛ لأن المساكين ليس عندهم من الدنيا ما يوجب محبتهم لأجله، فلا يحبون إلا لله ﷿ والحب في الله من أوثق عرى الإيمان، ومن علامات ذوق حلاوة الإيمان، وهو صريح الإيمان، وهو أفضل الإيمان، وهذا كله مروي عن النبي ﷺ أنه وصف به الحب في الله تعالى. الجامع المنتخب / ٧٧

وقال ﵀: واعلم أن محبة المساكين لها فوائد كثيرة:
منها: أنها توجب إخلاص العمل لله ﷿؛ لأن الإحسان إليهم لمحبتهم لا يكون إلا لله ﷿؛ لأن نفعهم في الدنيا لا يرجى غالبًا.
ومنها: أنها تزيل الكبر، فإن المستكبر لا يرضا مجالسة المساكين.
ومنها: أنه يوجب صلاح القلب وخشوعه.
ومنها: أن مجالسة المساكين توجب رضا من يجالسهم بزرق الله ﷿ وتعظم عنده نعمة الله ﷿ بنظره في الدنيا إلى من دونه، ومجالسة الأغنياء توجب التسخط بالرزق، ومد العين إلى زينتهم وما هم فيه. وقد نهى الله ﷿ نبيه ﷺ عن ذلك، فقال تعالى: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه: ١٣١] الجامع المنتخب / ٨٥ - ٨٨.

<<  <   >  >>