للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذاك البدن الذي كنا نفعل به ذاك عندكم، وهذه الروح التي كنا نحب بها هؤلاء فهي معهم، ولقد صدق ؛ قال رسول الله (المرء مع من أحب). [البداية والنهاية ١٣/ ٢٢٨، ٢٢٩].

• وقال ابن كثير : خضر بن أبي بكر، كان يُنسب إليه أحوال، ومكاشفات، ولكنه لما خالط الناس افتتن ببعض بنات الأمراء، وكان يقول عن الملك الظاهر وهو أمير: إنه سيلي المُلك. فلهذا كان الملك الظاهر يعتقده، ويبالغ في إكرامه بعد أن ولي المملكة، ويعظمه تعظيما زائدا، ويستصحبه معه في كثير من أسفاره، ويلزمه، ويحترمه، ويستشيره، فيشير عليه برأيه، ومكاشفاته صحيحة مطابقة؛ إما رحمانية، أو شيطانية، أو حال، أو سعادة، لكنه افتتن لما خالط الناس ببعض بنات الأمراء، وكنَّ لا يحتجبن منه، فوقع في الفتنة، وهذا في الغالب واقع في مخالطة الناس فلا يسلم المخالط لهم من الفتنة، ولا سيما مخالطة النساء مع ترك الاحتجاب، فلا يسلم العبد البتة منهن. [البداية والنهاية ١٣/ ٣٦٨].

(د) ذكر بعض القصص في العشق والحب، وما قيل في ذلك (١):

• وعن عِكْرمة قال: إنّا لمَعَ عبد الله بن عباس عشيّةَ عرفة إذ أقبل


(١) قال ابن الجوزي : فإن قال قائل: فكيف يتخلص مِن هذا مَن قد نشب فيه؟
قيل له: بالعزم القوي في هجران ما يؤذي والتدرج في ترك ما لا يؤمن أذاه، وهذا يفتقر إلى صبر ومجاهدة، يهونهما سبعة أشياء:
أحدها: التفكر في أن الإنسان لم يخلق للهوى، وإنما هيئ للنظر في العواقب والعمل للآجل. ويدل على هذا أن البهيمة تصيب من لذة المطعم والمشرب والمَنْكح ما لا يناله الإنسان، مع عيش هني خال عن فِكرٍ وهمٍّ، ولهذا تُساق إلى مَنْحَرِها وهي منهمكة على شهواتها، لفقدان العلم بالعواقب. والآدمي لا ينال ما تناله لقوَّة الفكر الشاغل، والهمّ الواغل، وضعف الآلة المستعملة.
فلو كان نيل المشتَهَى فضيلة لما بُخِسَ حظّ الآدميّ الشريف منه، وزيد حظ البهائم، وفي توفير حظّ الآدمي من العقْل وبَخْسِ حظه من الهوى، ما يكفي في فضل هذا وذمّ ذلك.

والثاني: أن يُفكِّر في عواقب الهوى، فكم قد أفات من فضيلة، وكم قد أوْقعَ في رذيلة، وكم من مطْعَم قد أوقع في مرض، وكم من زلّةٍ أو جبتِ انكِسار جاهٍ وقبح ذِكْر مع إثم! غير أنّ صاحب الهوى لا يرى إلاّ الهوى!
فأقرب الأشياء شبهًا به من في المَدْبغَةِ، فإنّه لا يجد ريحها حتى يخرج فيعلم أينَ كان.
والثالث: أن يتصوّرَ العاقلُ انقضاء غرضه من هواه، ثم يتصورَ الأذى الحاصلَ عَقِيب اللّذة، فإنّه يراه يُرْبِي على الهوى أضعافًا.
والخامس: أن يتدبّر عزَّ الغلبِة وذلّ القهر، فإنّه ما مِن أحدٍ غلَب هواه إلاّ أحسّ بقوةِ عزّ، وما من أحد غلبه هواه إلاّ وجد في نفسه ذلّ القهر.
والسادس: أن يتفكَّرَ في فائدةِ المخالفة للهوى، من اكتساب الذِّكْرِ الجميل في الدنيا، وسلامة النفس والعرض، والأجْر في الآخرة. ثم يعكس، فيتفكر لو وافق هواه، في حصولِ عكس ذلك على الأبد، وليفرض لهاتَيْن الحالَتَيْن حالتيْ آدم ويوسف ، في لذّة هذا، وصبر هذا.
السابع: أن يتفكر في فائدة المخالفة للهوى من اكتساب الذكر الجميل في الدنيا وسلامة النفس والعرض والأجر في الآخرة. ا. هـ بتصرف. ذم الهوى / ٢٩، ٣٠.

<<  <   >  >>