للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[التنافس على الخير]

• قال عمر : كان رسول الله لا يزال يسمر عند أبي بكر الليلة كذلك في أمر من أمر المسلمين، وإنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه، فخرج رسول الله وخرجنا معه، فإذا رجل قائم يصلي في المسجد، فقام رسول الله يستمع قراءته، فلما كدنا نعرفه، قال رسول الله : من سرّه أن يقرأ القرآن رطبًا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد. قال: ثم جلس الرجل يدعو، فجعل رسول الله يقول له: سل تُعْطَهْ، سل تُعْطَهْ.

قال عمر: قلت: والله لأغدونَّ عليه، فلأبشّرنّه. قال: فغدوت عليه فبشّرته، فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه فبشره، ولا والله ما سابقته إلى خيرٍ قطّ إلا سبقني إليه. [رواه الإمام أحمد: ١٧٠].

• وقال أيضًا : أمرنا رسول الله أن نتصدق وقد وافق ذلك مالًا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، قال: ثم جئت بنصف مالي، قال: فقال لي رسول الله : ما أبقيت لأهلك؟، قلت: مثله. وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له رسول الله ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، فقلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا. (١)

[رواه الترمذي وصححه: ٣٧٥٧].


(١) فائدة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فكان ما فعله عمر: من المنافسة والغبطة المباحة، لكن حال الصديق أفضل منه وهو أنه خال من المنافسة مطلقًا لا ينظر إلى حال غيره.
وكذلك موسى في حديث المعراج حصل له منافسة وغبطة للنبي حتى بكى لما تجاوزه النبي فقيل له: ما يبكيك: فقال: (أبكي، لأن غلامًا بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي)، أخرجاه في الصحيحين …
وعمر كان مشبهًا بموسى، ونبينا حاله أفضل من حال موسى، فإنه لم يكن عنده شيء من ذلك.
وكذلك كان في الصحابة أبو عبيدة بن الجراح ونحوه، كانوا سالمين من جميع هذه الأمور، فكانوا أرفع درجة ممن عنده منافسة وغبطة، وإن كان ذلك مباحًا؛ ولهذا استحق أبو عبيدة أن يكون أمين هذه الأمة، فإن المؤتمن إذا لم يكن في نفسه مزاحمة على شيء مما اؤتمن عليه، كان أحق بالأمانة ممن يخاف مزاحمته؛ ولهذا يؤتمن على النساء والصبيان الخصيان، ويؤتمن على الولاية الصغرى من يعرف أنه لا يزاحم على الكبرى، ويؤتمن على المال من يعرف أنه ليس له غرض في أخذ شيء منه، وإذا اؤتمن من في نفسه خيانة شبه بالذئب المؤتمن على الغنم، فلا يقدر أن يؤدي الأمانة في ذلك لما في نفسه من الطلب لما اؤتمن عليه …
فالحاسد المبغض للنعمة على من أنعم الله عليه بها ظالم معتد، والكاره لتفضيله المحب لمماثلته منهي عن ذلك إلا فيما يقربه إلى الله، فإذا أحب أن يعطي مثل ما أعطى مما يقربه إلى الله فهذا لا بأس به، وإعراض قلبه عن هذا بحيث لا ينظر إلى حال الغير أفضل. مجموع الفتاوى ١٠/ ٦٨ - ٧٠.

<<  <   >  >>