للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذم الغرور والعجب (١)

• قال مالك بن دينار : أنا للقارئ الفاجر أخوف مني للفاجر المبرز بفجوره، إن هذا أبعدهما غرورًا. [الحلية (تهذيبه) ١/ ٤٢٤].

• وقال هشام بن حسان : سيئة تسوءك خير من حسنة تُعجِبك. [عيون الأخبار ١/ ٣١٢].


(١) قال ابن القيم في مدارج السالكين عند قول الهروي: (وكل معصية عيرت بها أخاك فهي إليك): يحتمل أن يريد أن تعرف أن كل طاعة رضيتها منك فهي عليك، وكل معصية عَيّرْت بها أخاك فهو أعظم إثما من ذنبه وأشد من معصيته، لما فيه من صَولة الطاعة، وتزكية النفس وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة من الذنب وأن أخاك باء به. ولعل كَسْرَتَه بذنبه، وما أحدث له من الذلة، والخضوع، والازدراء على نفسه، والتخلص من مرض الكبر، والعجب، ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس، خاشع الطرف، منكسر القلب: أنفع له وخير من صولة طاعتك، وتكثرك بها، والمِنَّة على الله وخلقه بها. فما أقرب هذا العاصي من رحمة الله، وما أقرب هذا المُدِلّ من مَقْت الله. فذنب تُذِل به لديه أحب إليه من طاعة تُدِل بها عليه، وإنك أن تبيت نائمًا وتصبح نادمًا خير من أن تبيت قائمًا وتصبح معجبًا، ولعل الله أسقاه بهذا الذنب دواء استخرج به داءً قاتلًا هو فيك وأنت لا تشعر.

فلله في أهل طاعته ومعصيته أسرار لا يعلمها إلا هو ولا يطالعها إلا أهل البصائر فيعرفون منها بقدر ما تناله معارف البشر، ووراء ذلك مالا يطلع عليه الكرام الكاتبون، وقد قال النبي (إذا زنت أمة أحدكم فليقم عليها الحد ولا يثرب) أي: لا يعير، من قول يوسف لإخوته ﴿لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾ [يوسف: ٩٢] فإن الميزان بيد الله والحكم لله، فالسوط الذي ضرب به هذا العاصي بيد مقلب القلوب، والقصد إقامة الحد لا التعيير والتثريب، ولا يأمن كرَّات القدر وسطوته إلا أهل الجهل بالله، وقد قال الله تعالى لأعلم الخلق به: ﴿وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ … [الاسراء: ٧٤] وقال يوسف الصديق: ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [يوسف: ٣٣].

<<  <   >  >>