بين يدي الملوك، ثم نتجت له الفكرة أن يضع سريره الذي يجلس عليه وراء باب لطيف لا يُمَكِّن أحدًا أن يدخل منه إلا راكعًا ليدخل القاضي منه على تلك الحال عوضًا من تكفيره بين يديه، فلما وضع سريره في ذلك الموضع أمر بإدخال القاضي من الباب، فسار حتى وصل إلى المكان فلما رآه تفكر فيه ثم فطن بالقصة، فأدار ظهره وحنى رأسه ودخل من الباب، وهو يمشي إلى خلفه وقد استقبل الملك بدبره حتى صار بين يديه، ثم رفع رأسه ونصب ظهره وأدار وجهه حينئذ إلى الملك، فعجب من فطنته ووقعت له الهيبة في نفسه. [المنتظم ١٥/ ٩٦].
[(ز) ما قيل في كتم بعض العلم للمصلحة، وعدم بثه لكل أحد]
• قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع. [رواه مسلم في مقدمته].
• وعن أبي هريرة ﵁، قال: حفظتُ من رسول الله ﷺ وعاءين: فأمَّا أحدهما، فبثثتُه في الناس، وأما الآخرُ، فلو بَثَثْتُه، لقُطِعَ هذا البلعوم. [رواه البخاري: ١١٧].
• وعن مكحُول قال: كان أبو هريرة يقول: رُبَّ كيسٍ عند أبي هريرة لم يَفتحه. يعني من العلم.
قال الذهبي ﵀: هذا دالّ على جواز كتمان بعضِ الأحاديث التي تحرك فتنةً في الأصول، أو الفروع، أو المدح والذم.
أما حديثٌ يتعلق بحل أو حرام، فلا يحلُ كتمانهُ بوجه، فإنه من البينات والهدى. وفي صحيح البخاري: قول الإمام عليٍّ ﵁: حدِّثُوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما يُنكرون، أتُحبُّون أن يُكذب الله ورسوله! وكذا لو بثَّ أبو هريرة ذلك الوعاء، لأوذي، بل لقُتل، ولكن العالم قد يؤديه اجتهادُه إلى أن ينشُر الحديث الفلاني إحياءً للسنة، فله ما نوى وله أجر - وإن غلط - في اجتهاده. [السير (تهذيبه) ١/ ٣٠٩].
• وقال الشعبي ﵀: لا تمنعوا العلم أهله فتأثموا، ولا تحدثوا به غير أهله فتأثموا. [الحلية (تهذيبه) ٢/ ١١٦].