قال: إن المسألة عما سئل من ذلك بدعة، والشهادة عليه تعمق، ولم نكلفه في ديننا، ولم يشرعه نبيُّنا، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، ليس لمن يسأل عن ذلك فيه إمام إلا مثل القول فيه جدل، المنازعة فيه حدث وهزؤ، ما شهادتك لنفسك بذلك بالذي يوجب لك تلك الحقيقة إن لم تكن كذلك، ولا تركك الشهادة لنفسك بها بالتي تخرجك من الإيمان، إن كنت كذلك، وإن الذي يسألك عن إيمانك ليس يشك في ذلك، ولكنه يريد أن ينازع الله علمه في ذلك، حتى يزعم أن علمه وعلم الله في ذلك سواء.
فاصبر نفسك على السُّنَّة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم، وقد كان أهل الشام في غفلة من هذه البدع، حتى قذفها إليهم بعض أهل العراق، ممن دخلوا في تلك البدعة بعد ما ردها عليهم علماؤهم، وفقهاؤهم فأشربها قلوب طوائف من أهل الشام، فاستحلتها ألسنتهم، وأصابهم ما أصاب غيرهم من الاختلاف فيهم، ولست بآيس أن يدفع الله سيِّء هذه البدعة.
ولو كان هذا خيرًا ما خُصِّصتم به دون أسلافكم، فإنه لم يُدَّخر عنهم خيرًا حق لكم دونهم لفضل عندكم، وهم أصحاب نبيِّه محمد ﷺ، الذي اختارهم له، وبعثه فيهم، ووصفهم بما وصفهم، فقال: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾ [الفتح: ٢٩] ويقول: إنَّ فرائض الله ليس من الإيمان، وإنَّ الإيمان قد يطلب بلا عمل، وإنَّ الناس لا يتفاضلون في إيمانهم، وإنَّ برهم وفاجرهم في الإيمان سواء.
وما هكذا جاء الحديث عن رسول الله ﷺ فإنه بلغنا أنه قال:" الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون جزءاَ، أولها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان " وقال الله تعالى: ﴿شرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى: ١٣]، والدِّين هو التصديق وهو الإيمان والعمل، فوصف الله الدين قولاً وعملاً، فقال: ﴿فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا