في أول الليل ثم ينتفض فزعًا مرعوبًا ينادي: النار، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات، كأنه يخاطب رجلاً في البيت، ثم يدعو بماء إلى جانبه فيتوضأ، ثم يقول على إثر وضوئه: اللهم إنك عالم بحاجتي غير معلم بما أطلب، وما أطلب إلا فكاك رقبتي من النار، اللهم إن الجزع قد أرقني من الخوف فلم يؤمني، وكل هذا من نعمتك السابغة عليّ، وكذلك فعلت بأوليائك وأهل طاعتك، إلهي قد علمت أن لو كان لي عذر في التخلي ما أقمت مع الناس طرفة عين، ثم يقبل على صلاته. وكان البكاء يمنعه من القراءة حتى إني كنت لا أستطيع سماع قراءته من كثرة بكائه، قال ابن مهدي: وما كنت أقدر أن أنظر إليه استحياء وهيبة منه. [الحلية (تهذيبه) ٢/ ٤٠١].
• وقال الأوزاعي ﵀: من أطال قيام الليل، هوَّن الله عليه وقوفَ يوم القيامَة. (١) [السير (تهذيبه) ٢/ ٦٨٣].
• وقال الربيعُ بنُ سُليمان: كانَ الشافعيُّ ﵀ قد جزَّأ الليل، فثُلُثُه الأول يكتُب، والثاني يُصَلِّي، والثالث ينام.
قال الذهبي ﵀: أفعالُه الثلاثةُ عبادةٌ بالنيَّة. [السير (تهذيبه) ٢/ ٨٤٨].
• وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل ﵀ قال: كان أبي يصلي كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة، فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته، فكان يصلي في كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة، وكان في زمن الثمانين وكان يقرأ في كل يوم سبعًا، وكانت له ختمة في كل سبع ليال سوى صلاة النهار، وكان ساعة يصلي ويدعو عشاء الآخرة ينام نومة خفيفة ثم يقوم إلى الصباح يصلي، وحج خمس حجات ثلاث حجج ماشيًا، واثنتين راكبًا. [المنتظم ١١/ ٢٨٧].
(١) قال ابن القيم ﵀ في الفوائد: للعبد بين يدي الله موقفان؛ موقف بين يديه في الصلاة، وموقف بين يديه يوم لقائه، فمن قام بحق الموقف الأول هون عليه الموقف الآخر، ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفه حقه شدد عليه ذلك الموقف قال تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا * إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا﴾ [الإنسان: ٢٦، ٢٧].